الرأي

الاستثمار عجز عن جلبهم.. فكيف بالبنوك؟

اكتشف الجزائريون فجأة، أنهم يعيشون وسط الآلاف من الأثرياء من أصحاب الملايير من الدينارات والدولارات، واكتشفوا أن دولتهم بعد أن شحّت سماء النفط، لم يعد من خيار لها سوى البحث عن حلول عاجلة، إما باستغلال الغاز الصخري، أو التوجه إلى صندوق النقد الدولي، أو شرب ما تبقى من بترول في ظرف وجيز، أو إقناع أصحاب الملايير بأن يحوّلوا أموالهم إلى البنوك الجزائرية التي مازالت تعيش خارج الزمن، وألا يتركوها، إما مخزّنة في بيوتهم في أكياس السميد والتبن والقهوة، أو مسافرة من بنك خارجي إلى آخر ومن قارة إلى أخرى. واكتشفوا أن السلطة بعد أن عجزت على مدار خمسين سنة عن بناء اقتصاد حقيقي أو على الأقل إنشاء بنوك يثق فيها الجزائريون قبل الأجانب، تحاول في خمسين دقيقة أن تقنع أصحاب الأموال بما ليست هي نفسها مقتنعة به، لأن أصحاب الملايير من المقيمين في الجزائر أو المهاجرين رفضوا الاستثمار في مشاريع كبيرة في الزراعة والصناعة والخدمات والسياحة، تجلب لهم الذهب، وغامروا في كل بلاد العالم في مشاريع بيضاء، إلى درجة أنهم صاروا يشترون المساكن والفيلات ويغلقونها في أليكانت وبرشلونة، فما بالك بأن يضعوا أموالهم لتجمّد في بنوك جزائرية مازال السوق الموازي يقدّم عروضا أكثر جدية من عروضها، ومازال يقدّم خدماته بكمية ونوعية أحسن مما تقدمه البنوك.. إن كانت تقدم فعلا خدمة.

ومن المؤسف أن يجد السائح الجزائري أو الحاج أو المريض، نفسه مجبرا على التوجه إلى الأسواق غير القانونية لشراء العملة الصعبة وبالكمية التي يريد والعملة التي يريد، بالرغم من أنه ليس من حقه ولا يوجد قانون يسمح له بفعل ذلك، بينما يشرب المرّ وهو “يتسوّل” مبلغ مئة وثلاثين أورو بالرغم من أنه حقه المكفول قانونا، ونكاد في هذه الحالة، نجزم بأن البنوك الجزائرية لو اجتمعت، ما أقنعت مليارديرا جزائريا واحدا بأن يصبّ أمواله في خزائنها المليئة في الوقت الراهن بمرتبات العمال الجزائريين فقط.

يقال إن الذي ينطلق متأخرا أحسن من الذي لا ينطلق أبدا، ولكن المعادلة تكون صحيحة إذا كانت الانطلاقة في اتجاه السباق، وليس عكس الاتجاه كما تحاول السلطة حاليا إنقاذ ما يمكن إنقاذه في بحث مضن عن حلول سطحية لمشاكل متجذرة، لأن المنعش الحقيقي للبنوك والمنعش الحقيقي للاستثمار في مختلف القطاعات هو المال، وقد وجد بأرقام قارونية، وهانحن أمام حالة إفلاس وخوف، فكيف يتحقق التغريد وتتفتح الأزهار في يوم شتوي وكان الربيع أمامنا.

لقد جمع الجامعون أموالهم والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، بالطرق التي يعرفها الجميع، وتعرفها الدولة نفسها، ورفضوا في عزّ الرخاء أن يمدّوا أيديهم إلى الوطن وإلى أنفسهم بالاستثمار حيث الربح مضمون، في بلد التجارة فيه ربح وربح على الدوام، والآن بعد أن لفظ الربيع أنفاسه، تصلهم دعوة لوضع أموالهم المخزنة في الأكياس والمسافرة في بنوك الخارج..

قد تكون الدعوة مضحكة بالنسبة إلينا، ولكنها بالنسبة إليهم.. لا حدث؟

مقالات ذات صلة