العالم
يتنافسان على التشريعيات وعلى التأثير في نتائج الرئاسيات

الباجي والغنوشي.. من الساكن الذي يحذف السابق؟

الشروق أونلاين
  • 2901
  • 1
ح.م
الباجي والغنوشي

لا يحتاج المرء إلى تدقيق شديد ليتيقّن أنّ المشهد السياسي في تونس عامّة ومنذ انطلاق الحملات الانتخابات، صار أقرب إلى تشخيص الرؤية والمتابعة في الأفراد، أكثر من الأحزاب أو حتّى البرامج. من ضمن هذا المشهد، برز ثنائي الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي، منذ أنّ صرّح الثاني أنّه تم استخراج الأوّل من علبة متروكة في أحد المتاحف التونسيّة، وجاء ردّ الأوّل على نفس الهزل، بأنّهما من العلبة ذاتها.

حدّدت العلاقة بين “الشيخين” وقع الممارسة السياسيّة في تونس، سواء اتفقا واحتضن أحدهما الآخر صدقا أو مجاملة، أو حين وصلت العلاقة في عديد المرّات حدّ القطيعة المؤقتة، وما تبع ذلك من هجوم لفظي متبادل. هذا الاستقطاب، كما يقول المتابعون في تونس، رفع أسهم كل من حركة “نداء تونس” وحركة “النهضة” إلى المرتبة الأعلى ضمن السلم السياسي في تونس، بل صارت الثنائيّة من المسلمّات الضمنيّة التي لا يطعن في مصداقيتها سوى القليل. 

تُرى، هل اتفق الشيخان على تقاسم المشهد السياسي في تونس، ومن ثمّة تهميش بقيّة الأحزاب وربّما إلغاؤها؟ 

الإجابة تأتي أقرب إلى الإيجاب سواء جاء الاتفاق صريحا بينهما أو هو ممّا أفرزه صعود النجمين بفعل تأثير الإعلام والهالة التي تكسبها عملية سبر الآراء. 

تجاوزًا لمنطق التوافق الصريح أو المفتعل بين الرجلين، يمكن الجزم أنّ كلا منهما يحمل من الطموح وتضخّم المشروع، ما يجعل البلاد تضيق بهما معًا، ما يجعل الصراع – بالمفهوم الإغريقي – أمرًا لا مفرّ منه، إن لم تلغ اللعبة السياسيّة داخل كلّ حركة زعيمها أو هو الصراع مع باقي مكوّنات المشهد السياسي في البلاد.

تنافسَ الشيخان داخل البلاد وخارجها، وتنافسا من أجل البلاد ومن أجل الخارج أيضًا، التقيا في باريس، وتوافدا على الجزائر العاصمة، أحدهما يتلو الآخر، إلاّ أن الزيارة الفارطة للغنوشي ولقاءه بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة مثلت تفوقا بالنقاط أو الضربة القاضية، حين مدّت الجزائر السجّاد الأحمر أمام زعيم “النهضة” وأغفلت زعيم “نداء تونس”.

فهمت النهضة الأمر وروجت له على أنّه حسم من “الأخ الأكبر”، في حين عمل الباجي ولا يزال إلى تذليل الفارق والتمتّع هو الآخر بمثل غريمه وخصوصًا لقاء الرئيس الجزائري الذي ثبت أنّ لبلاده من النفوذ ما يجعل القرار الجزائري عامل الحسم.

يقف كلّ من الشيخين على هرم من طينة متناقضة: حركة النهضة ذات العمق الإسلامي، وإن سعت لتلطيف الحدّة وتخفيف نقاط الخلاف، وحركة نداء تونس التي جاءت أقرب إلى “سفينة نوح” سياسيّة، حين يعترف المنتسبون إليها أنّ داخلها ما لا يقلّ عن 5 تيارات، لم تستطع إخفاء ما يفصل بينها من صراع تاريخي وقراءة متباينة للواقع وأساسًا، وهنا الأخطر، من مطامع أيديولوجيّة وأساسًا فرديّة في جعل الحزب مطية للوصول إلى مناصب سياسيّة.

يلتقي الرجلان في امتصاص صورة السياسة بل اختصارها في كلّ منهما، ما أثار غضبًا متفاوتا داخل كلّ حركة، وإن كان الغنوشي، بحكم عوامل موضوعيّة، الأقدر على المسك بحركته والأقدر على الحفاظ على اللحمة داخلها. خرج الكثيرون من نداء تونس، كمثل عمر صحابو ونور الدين بن نتيشة والطاهر بن حسين وغيرهم، رفضا لدكتاتوريّة الباجي وانتفاضا ضدّ سيطرته وسطوته، في حين كان الرفض والانتفاض داخل النهضة أقلّ وقعا وأدنى تأثيرًا في الحركة وفي قدرة زعيمها وسيطرته على الحركة.

يأتي السؤال ملحًا بل شديد الإلحاح حول دور كلّ من الشيخين في واقع الانتخابات القائمة، بين راشد الغنوشي الذي فضل اللعب خارج الانتخابات، على نقيض الباجي الذي أصرّ على دخول الانتخابات الرئاسيّة رغم ما يلقى راهنًا من “نيران صديقة”، جعلت من إسقاطه غاية الكبرى، ما جعل الرجل يحذر من أصدقائه، أكثر من حيطة طبيعيّة من خصومه.

تختصر العلاقة التراتبيّة بين الشيخين جزءا أو أصل السؤال القائم في تونس: مَنْ مِنَ الحركتين ستكون الأولى في سباق الانتخابات التشريعيّة؟ وأيّ قدرة لهذه الانتخابات على التأثير في مجرى الانتخابات الرئاسيّة؟ خصوصًا على مستوى قرار النهضة وكذلك مكانة خصم الباجي الأوّل وصديق الماضي مصطفى كمال النابلي، مرشّح صديق الأمس وعدوّ اليوم، رجل الخفاء والعمل في السرّ: كمال اللطيّف.

من الأكيد وما لا يقبل الجدل أنّ نتائج هذه الانتخابات ستحدّد مستقبل الرجلين: الباجي بين الانعزال وقصر قرطاج، والغنوشي بين مؤتمر للنهضة بالتأكيد سيكون ساخنًا من جهة، والانزواء أو معاودة الهجرة إلى الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين.

مقالات ذات صلة