-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

البطل في زمن الباطل

عمار يزلي
  • 941
  • 1
البطل في زمن الباطل

البطل.. كلمة أطلقها “هوميروس” على رجال اتصفوا بشجاعة كبيرة وشهامة بالغة، واعتبرهم مفضلين من طرف “الآلهة” أو “أنصاف آلهة”، وهذا خلال العهد الإغريقي الملحمي. فهو كائنٌ غير عادي كونه يمتلك صفات وقوة خارقة يتفوق بها على البشر وعلى بقية الكائنات الخرافية، مما يجعله مبجَّلا ورمزا جسَّدته الأساطير الإغريقية من خلال الملاحم والتراجيديات.

اجتماعيا، يمكن أن يكون البطل زعيما وطنيا أو قوميا، بما حققه من نصر على الأعداء في معارك أو حروب. فهو في العادة يتمثل الضمير الجمعي، لما اتصف به من تضحيات فردية في سبيل الجماعة. عادة ما تُلصق به خصائص أخلاقية وخصال ومروءة وقيم إنسانية وشجاعة تجعله يتبوأ مكانة رمزية في الذاكرة الجماعية للشعوب، ذلك أن “البطل” يُجسِّد منظومة من القيم تسعى جماعةٌ ما لتثبيتها وتعزيزها، ولذلك حظي بمكانة كبيرة في الممارسات الاجتماعية والدينية في كل الحضارات.

تشكلت ثقافة البطولة في الغرب، من الموروث الإغريقي والروماني، باعتبارهما منتجتين للبطولات السياسية والعسكرية من جهة، وأيضا تمثُّلات هذه البطولات وأسطرتها في الذاكرة الجماعية، التي تعطي للبطولة أبعادا ميثولوجية وقُدسية أحيانا.

البطولة اليوم في الغرب، لم تعُد تعني نفس المعنى القديم؛ فالبطولة تقتضي “التضحية”، وفي الغرب، كان الناس بإمكانهم التضحية لأجل الله، لأجل الوطن، لأجل مُثل عليا، لأجل أطفالهم، لكن اليوم تقول الفسلفة الغربية المعاصرة، كما جاء على لسان “إليكسي ديطوكفيل” في كتابه “حول الديمقراطية الأمريكية”: “لا يضحي الرجلُ إلا لأجل أبنائه”، ذلك أن المجتمع الغربي الرأسمالي المشبَّع بقيم العدالة صار يرى أنه “مادمنا كلنا سواسية، فلمَ التضحية؟”، حسب “ديطوكفيل”.

في هذا الظرف، نحن نعيش حالات متتالية من الإخفاقات، مما يستدعي الذاكرة الجمعية لمفهوم الزعامة المفقود ومفهوم البطولة الموؤود. حالات الإخفاق الاقتصادي والسياسي، دعت عندنا الضمير الجمعي يجتمع حول الرياضة وكرة القدم بشكل خاص. فهي اللعبة الأكثر شعبية والأكثر ديمقراطية، يتشارك فيها الجميعُ بالرأي.

الفريق الوطني، هو الضمير الجمعي للأمة، وانتصاراته الرمزية الرياضية تعكس الانتصار الوطني المطلوب، وعكس الانتصار يولد الإنكسار في الضمير الجمعي وضاف إلى تراكمات الإنكسارات والاخفاقات الأخرى.

لهذا، نرى هذا التشبُّث بكرة القدم وبالفريق الوطني وبالرياضة بشكل عام، كرمزية للصراع من أجل التفوُّق.

قد يتحول الفريق ولاعبوه ومدرِّبوه إلى أبطال قوميين ووطنين، وقد حققوا جزءا من هذه البطولة بانتزاعهم “بطولة العرب”، وكان بإمكانهم تحقيق البقية، فمازالت المعارك أمام “المحاربين” كثيرة، والآمال واسعة والآفاق رحبة، لكن ليس بلا حدود ولا سدود، أهمها “مباراة السد” الفاصلة  مع الكاميرون البلد المضيف للكأس الإفريقية المؤهَّل للفوز بها من بين مؤهَّلين آخرين. هذه نقطة فاصلة بالفعل في تحقيق حلم البطولة التي نحلم بها بعد سنوات عجاف في كل الأشياء.

من هنا، بدا الشعب الجزائري، متَّحدا متفاعلا متسامحا مع الإخفاق الإفريقي، لأنه يؤمن بأننا نملك نواة فريق وطني يملك كل المؤهِّلات ليكون بطلا قوميا ووطنيا يرفع الراية عاليا ويرفع رؤوسنا شامخة. لم يلُم الشعب الجزائري كثيرا المدرِّب، على خلاف أسلافه، لأنهم رأوا كل صفات البطل فيه: صدق، عمل، حب الوطن، تركه للماديات مع فريقه ككل، شاب طموح، غير مغرور، صبور، مؤمن، شكور، مخلص، متفان… وغيرها من الصفات التي يجب أن يتصف بها البطل والزعيم المطلوب لشعب كان دائما يرى نفسه في طليعة الشعوب، لأنه شعبٌ بطل، مضح وضحى من سالف الأجداد، شعب بطل، يريد أن يكون دائما بطلا.. في زمن الباطل.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • يوغرطة

    سبب كوارثنا ومصائبنا وازماتنا المتكررة منذ الاستقال هو التسيير الفاسد المتعثر دوما اقصد بسبب الانظمة العرجاء العقيمة .