-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

البعد التاريخي في شعر الحاج أسعيذ

البعد التاريخي في شعر الحاج أسعيذ
(الحلقة الثانية)

شكل “التاريخ” أحد المحاور الهامة التي تركز حولها شعر الحاج أسعيذ(1883-1946)، وكان التاريخ الإسلامي حجر الأساس فيه، لذا ساهم كغيره من الشعراء الزهاد في نشر الثقافة الإسلامية في المجتمع الزواوي باللسان الأمازيغي.

  • غير أن التاريخ المروي شفويا باللسان الشعبي، يختلف عن التاريخ المدوّن (العالِم) من حيث الدقة والتركيز والتفاصيل، فمساحة الخيال فيه أكبر من الحقائق التاريخية الناصعة، إذ يكتفي التاريخ الشعبي المعتمد على الذاكرة، بالعموميات دون الإشارة إلى السياق التاريخي، والإطار الزمني ، والغاية منه، هي تمجيد الماضي بطريقة أسطورية، وتقديس الأجداد، وتمتين الروابط مع الإسلام، ومن ثم تعميم قيمه السمحة.
  • وعلى أي حال، فقد أشار الشاعر باقتضاب إلى أهم المحطات والأحداث التاريخية المستحقة للذكر بقدر ثقافته التاريخية المتواضعة، عرضها بطريقة مبسطة تناسب عقول العوام.
  • تعاقب الحضارات
  • من المقاطع الشعرية الدالة على إدراكه لأهمية “التاريخ” في تحصين الإنسان بالدروس والعبر، التي تساعده على بناء حياته، في ظل مجتمع متوازن، مؤسس على قيم الخير والفضيلة، هذا المقطع الذي جاء فيه قوله:
  • أيُُولِِيوْْ أفـْهََـمْ ألـْمَََعْْناثْ
  • ربّي أيْخلقيكْْ أذ ْ بُُُونادََمْْ
  • خـَزّرْْْ أيََڤعَدّانْْ أڤْْ لـُُومََاثْ
  • كُُـلْْ يوََنْْ أمََكْْ إسِِخذمْْ
  • سََـقـْسِِي فرعُُون أنـْْْدَاثْْ
  • إنـَمْْرُُُودْ أمَكْ إسِيخـْْذمْ 
  • ومن الواضح أن هذه القطعة الشعرية، قد تقاطعت ،مع الشاعر الأندلسي أبو البقاء الرندي، الذي دعا إلى أخذ العبرة من تعاقب الحضارات وزوالها.
  • أَيـنَ  المُلوكُ ذَوي التيجانِ مِن iiيَمَنٍ       وَأَيـنَ مِـنهُم أَكـالِيلٌ وَتـيجَانُ
  • وَأَيـنَ مـا شـادَهُ شَـدّادُ في إِرَمٍ      وَأيـنَ  ما  ساسَه في الفُرسِ ساسانُ
  • وَأَيـنَ  مـا حازَهُ قارونُ من ذَهَبٍ      وَأَيـنَ عـادٌ وَشـدّادٌ وَقَـحطانُ
  • أَتـى  عَـلى الـكُلِّ أَمرٌ لا مَرَدّ لَهُ      حَـتّى  قَضوا  فَكَأنّ القَوم ما كانُوا
  • عبرة سيدنا نوح
  • غاص الحاج أسعيذ في عمق التاريخ، فتحدث عن سفينة سيدنا نوح (عليه السلام)،التي أنقذت الفرقة الناجية من عباد الله، وهذا من باب العبرة والموعظة:
  • أربّي أفـْكاغِِيدْْ لعْـقلْ
  • رَزقاغ ْْ أتـُوبا نـَصُوحْ
  • أرَّغيدْْ سَََافريذ ْ نـََهْْملْ
  • أبََابْ اُُوكرْْسِي ذلـُُوحْ
  • اُُولامََا لبحارْْ يََََهـْْوََلْْ
  • ثـََزْڤرْضَاغ ْ أمْْ سِيدْْْنا نـُُوحْْ
  • الإشارة إلى الفترة الرومانية
  • وأشار الحاج أسعيذ إلى الحقبة الرومانية، في سياق ذكره للاستعمار الفرنسي، الذي أضر بالعقيدة الإسلامية، واعتبر ضعف التديّن وخفوت الإسلام الصحيح، كأنه عودة إلى العهد الروماني الغابر:
  • وينْ يََخـْْضانْ أبْْريذ ْ نـََرََّحْمانْ
  • اُولامَكْ أسَََدْْيافْ إخـْْفِيسْ
  • ثامُورْْثـَا زيكْ ذرُُومََانْ
  • ثـُوغـَالْ أرَثـْْنـَصْْـلِِيثِيسْْ
  • تسََارَوْْْثْْ نـَشـّرفا إڤعْمََانْْ
  • يََوْْجَبْْ أفْ مََدَّنْْ ألـْغـََضْبيسْ
  • العهد العثماني
  • ذكر الحاج أسعيذ الأتراك العثمانيين، ومصر باعتبارهما مركزين بارزين للحضارة الإسلامية، وأمام تفسخ المجتمع وانحلاله، اشتاق إلى صرامة الحُكمين المصري والعثماني، القادرين على إعادة المجتمع المهلهل، إلى الطريق المستقيم الذي خطّه الإسلام:
  • مََنـّاغ ْْ لحْكُُمْ أنْ مَصَرْ
  • ما يَوْعَرْ أتـُرْكْ أشـْقانِِي
  • أسََّلطانْْ أغِِي طـَهّـَََرََ
  • سَشـْْرَع ْْْ نـَنـْبي المََدني
  • ثم أشار بصريح العبارة إلى الدولة العثمانية الممثلة للخلافة الإسلامية، وقد تعاطف معها الجزائريون خلال الحرب العالمية الأولى، فخلدوا أمجادها بقصائد شعبية عديدة، منها هذا المقطع للحاج أسعيذ:
  • أتـُُرْْكْْ العَثمَانِِيَا
  • اُورَحْشِيذنـَارَا ذلـْْحَرْ
  • ذلفاهْمِينْ العَـقـلِـيَا
  • أرْْْنانْ لكـْثـُُوبْ سُوعَـبَّرْ
  • أربّي أڤـْرَدْ لعْـنـَايَا
  • أثـْعَـجْـلـَضْدْ سَنـْصَرْ
  • وقال الحاج أسعيذ في مقطع شعري آخر، منوّها بصرامة الحكم العثماني، التي دعت الضرورة إلى التفكير في إحيائها، لاستئصال الخنوع ،ولاستنهاض الهمم، للقضاء على الاستعمار الفرنسي:
  • مَنـّاغ ْ أشـْرَع ْ نـَسْطمبولْ
  • أغِكـَسْ يارْ ثِيلـُوفـا
  • يَزْْمََرْ أدْيَهْـذو أمَهْبولْ
  • نـَغ ْ أثِـدََّزْ أمُوكـَرْفـا
  • يا ربّي أفـْْسِِيَََاغ ْ أشـْكـُُولْ
  • عَجْلاغِيدْ يسْ سَـلـْخـُُفََّ
  • ذكر الشام
  • أكد الحاج أسعيذ تجذر المشرق العربي، في الوعي التاريخي الزواوي (القبائلي)، علما أن هجرة الزواوة إلى الشام، قد بدأت منذ القرون الوسطى، للدراسة والتدريس. وكان لهم الفضل في تأسيس كرسي المذهب المالكي بدمشق. ثم اشتدت الهجرة إليها خلال فترة الاحتلال الفرنسي هروبا من حكم الكفار، خاصة منذ سنة 1847م، وهي السنة التي شهدت هجرة العلامة الشيخ المهدي السكلاوي (من عرش آث يراثن) الذي أفتى بوجوب الخروج من حكم الفرنسيين الكفرة، ما دامت أرض الله واسعة. واستمرت هجرة المتعلمين إلى غاية مطلع القرن العشرين. لذا فمن الطبيعي أن يرد موضوع الهجرة ولو باقتضاب، في شعر الشيخ الحاج أسعيذ:
  • أيُُولِِيوْْ هاجَرڤْْْ أرْشـَّامْ
  • أرْمََكـّا أذ ْْْ عَرَفـَا
  • أرْْْوَلْْ إثـْمُُورْثْ نـََظلامْ
  • يَكـّرْْ هََرْوََلْْ إشـُرَفـَا
  • سُوفلا أيْزََوَّقْ لمْـقامْ
  • أسْـذاخـََلْ أسُُّنَّ ثـَكـْفا
  • بنو هاشم
  • هذا وقد أشار الشاعر الزاهد في مقاطع شعرية عديدة، إلى سمو مكانة  بني هاشم في قلوب المسلمين، وقد شرفهم الله برسالة الإسلام، فتبرّك الحاج أسعيذ ببركاتهم قائلا:
  • ربّي أدْعََاغكْ سَََـبْْـنـُُو هاشمْْ
  • آثْ سَنـْجاقْ يََـتسْْــرَفـْرفْ
  • ذكـْرَا أيْـفـَتـّونْ أيْـسَـڤــَّمْ
  • إلِِيفْ ألـََمِي أذ ْْ لامََالِِيفْْ
  • زڤـْرَاغ ْ ألفِرْدُوسْ نـَسْـلـَمْْ
  • ذكـْرَا  يََحْْبَسْْْ وَسْـقِيفْ    
  • عدالة عمر بن الخطاب
  • أشار الحاج أسعيذ في قصيدة أخرى إلى عدالة عمر بن الخطاب، التي -حسب رأيه- أفل نجمها بموته، وقد زاد الاستعمار الفرنسي الأوضاع سوءا، حين حارب الإسلام واللغة العربية، فخفت توهج الدين، وابتعد الناس عن القيم الإسلامية السمحة:
  • أيْْڤـُُومََا الحق أدْْيَظهَـرْ
  • ذلبَاطلْ إڤهََدْرَنْْ خمْسِِينْْ
  • إلمُُوثْْْ أنْْ سِِيدْْنا عُمرْ
  • أرّانْ فلاسْ ثِيمََذلِِينْ
  • يَـتـْْرُُو يََزْْريوْ أمْْ لـمْطـَرْ
  • مِي ذابْْريذ ْ نـََنـْبي اُُورََثـْْنـَسِِينْْ
  • بلاد الحجاز
  • ركـّز الشاعر الصوفي الحاج أسعيذ كثيرا على بلاد الحجاز، مشيرا إلى الصحابة، وهذا من باب ترسيخ ذكر البقاع المقدسة في الذاكرة الجمعية الزواوية:
  • ربّي أدْْعََغـْكْ سَـنـّبـنـَا
  • أذعَشرا أصْحابا أيْْمَلحَنْ
  • إمََكـّا ذلمََدِِينـََا
  • أنـْْبي ذكـْرََا أيْْـثِيمَدْْحََنْْ
  • كـََمََّـلْ إوُولْ إ?ـْمَنـَّا
  • وََلـْْهـََاغ ْ سَبْـريذ ْْ أيْصََلحَنْ
  • بيت المقدس
  • وأشار الحاج أسعيذ في مقطع شعري آخر -في سياق الدعاء- إلى الحجاز و بيت المقدس :
  •  فارَسْْ أتـُوبـََا أسْْكـُُوذ ْ ثـََغـْـلِِيقْ
  • ثابْـرَتسِـيسْْ ألا أدْحَرَّصْْ
  • أدِّينْْ أمْ أنـْزيزْ أرْقِيقْ
  • مَا دْعََجْْـلـَضْ أنـْبي، يَقـْْرََسْ
  • أدْْعَعْـكْ سَلـْْبيتڤْ العََتِِيقْ
  • ألمََدِيـنـَا، البيتْ المَقدَسْْ
  • الخلفاء الراشدون
  • أما الخلفاء الراشدون، فقد ذكرهم الشاعر الزاهد أيضا في سياق الابتهال والتضرع إلى الله:
  • أربّي أدْعَاغـْكِِينْْ سَبْْنـُو جعفرْ
  • ذكـْرَا أيْعُوسَنْ أفْ لبحارْ
  • سيدنا عثمان، بوبكر
  • سيد علي، سيدنا عمر
  • إوُُذ َمْ  نـَنْبي الطاهرْ
  • أتسْ عَـثـْقـَضْ لـُومَاسْْ إنـَّارْ
  • نزول الفرنسيين في سيدي فرج
  • حظيت فترة الاحتلال الفرنسي،باهتمام الحاج أسعيذ، بدءا  بنزول الحملة الفرنسية بسيدي فرج سنة 1830م، والمعركة الأولى، التي خاضها الجزائريون في أسطاوالي بصفوف مهلهلة، ضمت الجيش التركي العثماني، والمتطوعين الذين قدموا بصفة خاصة من بلاد الزواوة بأعداد كبيرة. واجه الجزائريون جيشا فرنسيا أكثر منهم عُدة وعددا،فكانت النتيجة هزيمة نكراء، فتحت للفرنسيين الطريق نحو العاصمة، عبر بني مسّوس والأبيار. وقد زرعت  تداعيات هذه المعركة الرعب في قلوب سكان المنطقة، فخرجوا هائمين، حائرين من أمرهم، ولم يصدقوا ما وقع، من شدة أهوال الحرب:
  •  سيدي فرج أدْلـََنـْتْ سُولابَاشْْ
  • إسْطاوَالِي إدْيُوغ ْ اُوذمْ
  • سِلـبْيارْ ألامِي ذلحَرّاشْْ
  • سُوسِِڤـْنـَا إدِيسَظْـلـَمْ
  • ألـْزَايَرْْ إيْرَكـْْبيتْ أرْعَاشْ
  •  أثْ حَزْنـَضْ أسِيذي أبْرَاهََمْْ
  • هذا ويؤكد إلمامه بالتاريخ -وهو لم يتعلم في المدرسة- أنه جالس كثيرا أئمة المساجد والمتعلمين ورجالات الدين، في مدينة الجزائر، وغيرها من المدن التي تجوّل فيها، واستفاد من دروسهم وحواراتهم ومناقشاتهم، فحصل على الحد الأدنى من الثقافة التاريخية، التي وظفها في قصائده، بهدف تحصين المجتمع بالتربية الروحية والوطنية الضرورية لصيانة الهوية الجزائرية الإسلامية، ولتلافي المسخ الإستدماري.
  • “يتبع”
  • ferradrezki@yahoo.fr

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • Djamel

    C'est bien de voir que notre patrimoine interesse encore nos intellectuels. Il faut lancer des sujets de recherche dansenos universites pour faire vaoir ce que nos ancetres ont laisse. Merci

  • abdelhalim

    merci, monsieur arezki.