الشروق العربي
دور العزاء في مجتمعنا اليوم:

التدافع على موائد الأكل والشرب مثل الأعراس

صالح عزوز
  • 5488
  • 11
ح.م

تحولت دور العزاء في مجتمعنا، إلى أماكن للأفراح والضحك والحكايات، التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وتحول الحزن، الذي كان يخيم على هذه الأمكنة لعدة أيام إلى آخر للفرحة وتبادل النكت، ويبدأ هذا الجو مباشرة بعد دفن الميت، إن لم نقل إنه مباشرة بعد موته، فلم تبق تلك الطقوس التي ترتسم على الوجوه والأماكن في ما مضى، التي كان يغلب عليها التوحيد والاستغفار والتكبير، وأصبحت مجرد ملتقيات من أجل الإطعام والبحث عن الملذات، والسمر حتى مطلع الفجر.

يستغل الكثير من الناس، هذه المناسبات الأليمة من أجل الجلوس إلى موائد ما لذ وطاب من الأطباق والثمار، وما أكثرها اليوم في دور عزائنا، وتحولت بذلك هذه المناسبات الأليمة، التي كان لا يأتيها في ما مضى إلا الأقربون من أجل العزاء ومواساة أهل المرحوم، إلى أخرى لكل من يريد الطعام والشراب، بل أصبحنا لا نفرق بينها وبين أعراسنا، فلولا الموسيقى التي تبين أيهما الوليمة وأخرى دار عزاء، لاختلط الأمر علينا، فهما متشابهتان في الحضور وكذا الجو الذي يسودهما.

سهرات لا تنتهي تصل إلى أسبوع كامل

يغتنم الكثير من الناس، خاصة الشباب، هذه الأوقات من أجل السهر والسمر حتى مطلع الفجر، ولا يفترقون إلا وقد لاحت الشمس أول شعاعها على الأرض، يبيتون يضحكون ويمرحون ويتناقشون في كل مواضيع الحياة، دون استثناء، بل يسهرون في الغالب، على الجدال في رياضة كرة القدم، التي فتنت جميع الناس، وأصبحت تحضر في كل موائدنا، حتى في دور العزاء.. والغريب، أن هذه السهرات والتجمعات الليلية، إن صح القول، أصبحت لا تقتصر فقط على أصدقاء وأقارب أهل الميت، بل تضم حتى الغرباء، وأصبحت الأبواب المفتوحة على كل من هب ودب، للسهر في دار العزاء، التي لا تغلق أبوابها في وجوه الزائرين والحاضرين من كل مكان، بحجة التعزية والمواساة.

التدافع على موائد الأكل

نعم، يعتبرها الكثير منا صدقة على الميت، وهو أمر طبيعي، ولا يمكن أن يختلف فيه اثنان، لكن أن ترى التدافع على الأبواب من أجل حجز كراسي على مائدة الأكل، فهذا أمر غير طبيعي، ولا يمكن أن يكون كذلك مهما كانت الحجج، وحتى وإن سلمنا بأنها صدقة على الميت من أجل إكرامه، فلا يمكن أن تكون بهذه الطريقة، فلا بد أن تكون بطريقة نظامية، وفي صمت لا في ضوضاء وتدافع، كما يحصل اليوم في أغلب دور العزاء.

إن التساهل في الموت، بالرغم من كونه أمرا مفجعا، بداية من دفن الميت حتى إلى ما بعده من سهرات على الأطعمة والشراب، هو دليل على أن هذا الأمر الجلل أصبح في نظر الناس مجرد حدث لا غير، يجتمع الناس في المقبرة من أجل إسقاط فرض العين في الدفن، ثم الرجوع إلى الحياة من أجل العبث دون عبرة، بدءا من السهرات في دار العزاء، وتحولت من دار فاجعة أليمة إلى أخرى لدار الوليمة.

مقالات ذات صلة