رياضة

“التسلل” أخطر من “الموت”!

ح.م

من الصدف المؤلمة، أن تزامن تجريب تطبيق تقنية “الفار” لترصّد أخطاء الحكام، خلال مباراة مولودية الجزائر مع اتحاد بلعباس في الملعب العتيق الخامس من جويلية خلال شهر الثورة نوفمبر، مع أحداث دامية بين المناصرين ورجال الأمن، خلفت أكثر من أربعين جريحا بين الطرفين، وأكثر من أربعين معتقلا، وتخريب سيارات الشرطة وسيارات الإسعاف، في مشهد لم يعد يحدث في دول أمريكا الوسطى التي اندلعت الحروب في ما بينها من أجل لعبة كرة القدم، منذ نصف قرن من الزمان.

الألم يكمن في أن بعض المتمكنين من السلطة في الجزائر، يفكرون في الهوامش من دون النظر إلى لبّ المشكلة، وربما في ما يجلب لهم الأموال من دون التفكير في ما يجلب للبلاد السلامة والتطوّر، وإلا كيف نفسر اهتمام القائمين على شؤون الكرة بالاستعانة بتقنيين من بلجيكا، لأجل تطبيق تقنية “الفار”، التي تكلّف الخزينة في حالة تطبيقها في القسمين المحترفين الأول والثاني، قرابة خمسة ملايير سنتيم كل أسبوع، لأجل متابعة صحّة الأهداف المسجلة من عدمها، ووضعيات التسلل وضربات الجزاء، وكاميرات المراقبة التي قيل بأنها مثبّتة في ملعب الخامس من جويلية من سنوات لترصّد المنحرفين، لم تتابع الأحداث الخطيرة التي أسالت الدماء وخرّبت الملعب وحطمت السيارات وكادت تزلزل النظام العام.

أليس من الأجدر استعمال التكنولوجيات الحديثة من خلال كاميرات المراقبة لمنع سقوط الأرواح وزرع الفتنة بين أنصار مختلف الأندية، بدل التبختر بزعم منع الأخطاء التحكيمية في مباريات الكرة، التي نتفق جميعا بمن في ذلك القائمون على الكرة في الجزائر، على أن مستواها العام نزل إلى الحضيض، بدليل أن المنتخب الوطني الذي طار إلى طوغو للعب مباراة رسمية، أخذ معه في الطائرة، لاعبين ينشطون في مختلف الدوريات العالمية، إلا في الدوري الجزائري، الذي يئن دموية وفتنة ورداءة.

لسنا ضد مواكبة التطوّر الحاصل في البلدان المتقدمة، ولسنا ضد الاهتمام بلعبة كرة القدم التي صارت سياسة واقتصادا وثقافة، ولكننا سندهش لو فكّرت الجزائر في إرسال رجل فضاء لاستكشاف كوكب المريخ بملايير الدولارات، وأرضنا الشاسعة لم تُستكشف بعد، بعشرات المليمات.

ما حدث من شغب، عقب مباراة مولودية الجزائر أمام اتحاد بلعباس، تجاوز كل الخطوط الحمراء، وصار ينذر بفتنة لا تبقي للأخلاق باقية ولا تذر، وما يحدث من فشل في معالجة الظاهرة واستنزاف الوقت والدواء في غير موضع الألم، صار يهدد باستفحال الداء وبلوغه حالة الميئوس من مداواته.

فلا ندري ما الفائدة من إجراء مباراة سليمة من أخطاء تحكيمية تُمنح فيها ضربة الجزاء لمن يستحقها والبطاقة الحمراء لمن تجاوز الحدود، والجمهور المعني بهذه اللعبة الشعبية يتقاتل على المدرجات وفي الشوارع ويتقاذف بالجهوية والكراهية والأحقاد، في مشاهد لا تستعجل تقنية “الكاميرات والفار” فقط، وإنما إعلان حالة طوارئ قصوى.

مقالات ذات صلة