جواهر
"الشروق" ترصد قصصا مآساوية ومختصون يحذرون من كوارث أخلاقية

التشكيك في النسب يفجر العائلات بسبب “الخيانة”

كريمة خلاص
  • 17978
  • 28
ح.م

تعج المحاكم الجزائرية بكثير من قضايا إثبات أو نفي النسب من قبل أزواج اتهموا قريناتهم بالخيانة وإنجاب أطفال من غيرهم في غفلة منهم ونسبهم لهم، دون أن يكونوا شاهدين فعليين على الفعل، غير أنّ الضغط النفسي الكبير عليهن جعلهن يعترفن بالجرم، وهو ما يعكس درجة الخراب الاجتماعي والفساد الأخلاقي الذي بلغه مجتمعنا في الآونة الأخيرة في أقدس علاقة بين اثنين.

يؤكد كثير من المحامين والأئمة على توسطهم واستقبالهم لحالات يطعن فيها الأزواج في نسب أبنائهم بعد ثبوت ظنونهم في وجود علاقة مشبوهة بين زوجاتهم وأشخاص غرباء أحيانا وأحيانا أخرى من الوسط العائلي، وهو ما يجعلهم يخوضون رحلات طويلة في أروقة المحاكم للتأكد من الأمر الذي ينتهي في غالب الأحيان بالطلاق حتى في حال ثبوت العكس لما يحدثه ذلك من مساس بشرف وكرامة الزوجة.

زوجته اعترفت بخيانتها وأنجبت ولدين من قريبه

“الشروق” وقفت على حالات عديدة آخرها لزوج طرق أبواب الجريدة يشتكي تعقد الإجراءات وعدم استفادته من تحليل الحمض النووي لنفي نسب طفلين، ويتعلق الأمر بـ”فريد/س” من ولاية بومرداس حيث رفع قضية نفي النسب عن طفلين له “بنت وولد” من زوجته ف/ع بعد أن طلّقها إثر اعترافها تحت الضغط والتهديد بان الطفلين ليسا ولديه وأنه لن يستطيع فعل شيء لتغيير ذلك وفق ما أدلى به للشروق.

ويضيف المتحدث أنه بعد ولادة ابنته الصغرى بمدة بدأ يشك في سلوك وتصرفات زوجته مع أحد أقربائه الذي يجاورهم في السكن، وما زاد الطين بله، يقول فريد، أنه حصل على خبرة طبية مفادها أنه يعاني مرضا يصعب عليه الإنجاب بل يعد ذلك أقرب إلى المستحيل ما يحتم عليه في مثل هذه الحالات اللجوء إلى الإنجاب الاصطناعي، وحتى ابنه الذي ولد لا يحمل زمرة والدية وهي “o+” الأمر الذي يعد طبيا غير طبيعي، حسبه.

أنجبت من غيره لتجبره على الزواج منها

قصية أخرى لفتاة تعرفت على رجل أعمال وأرادت الزواج منه غير أنه لم يكترث لها واعتبرها مجرد نزوة عابرة فما كان منها سوى اللجوء إلى الإنجاب من شخص آخر وبعدها صارحت رجل الأعمال بأنها حامل منه وبأنها ستفضحه إذا لم يتزوجها ولأنه معروف في منطقته سايرها وتزوجها، غير أنه سرعان ما تفطن لسلوكاتها المشبوهة فقرر تطليقها ورفع قضية نفي نسب الطفل إليه لأنه أعاد حساباته فوجد أنها خدعته وكذبت عليه، لتثبت المحكمة نفي النسب.

تصرفات زوجته المريبة جعلته يشك في نسب أطفاله

حالة أخرى في شرق البلاد لزوجين منذ أكثر من 20 عاما في إحدى الولايات الشرقية ولهما أولاد أصغرهما 11 عاما.
الزوج أصيب بالريبة تجاه زوجته وأصبح يشك في كل تصرفاتها بسبب شخص تكلم له عنها بسوء وشكك في سلوكها، فتفاقمت الأمور وتعقدت إلى أن اتهمها في شرفها وأن الطفل ليس من صلبه وطلّقها فيما بعد ورفع قضية نفي النسب، حيث منحه القاضي وفق أحكام قانون الأسرة 2015 صلاحية اللجوء إلى الخبرة العلمية عن طريق استعمال تقنية تحليل الحمض النووي التي بموجبها تأخذ عينة من سائل عضوي للأب والأم والأب وتحلل في مخابر متخصصة للحصول على نتيجة تشكيل رابطة عائلية أو عدم تشكيل رابطة عائلية.

وصدرت النتيجة بوجود رابطة وأن الطفل ابن أبيه وأن ادعاءات الأب افتراءات باطلة، وهو ما جعله يفكر في إعادة زوجته لعصمته بعد أن عالج نفسه من وسواس كان يتملكه عند الرقاة، إلا أن الزوجة رفضت العودة وأولاده كرهوه لما سببه لهم من فضيحة وتشتت.

أم تكتشف أن ابنها تزوج من زوجة أخيه

قضية أخرى لم يكتب لها بلوغ المحاكم بعد أن تكتمت عليها الشاهدة الوحيدة لها وهي أم لشابين الكبير منهما متزوج وهو حسب وصف أمه ضعيف الشخصية أما أخوه الأصغر فيعاني طيش الشباب ووقع المحظور مع زوجة أخيه.

وانكشف الأمر لأمهما التي وقفت على رسائل غرامية ومواعدة وصور وأحاديث ورسائل نصية في هاتفهما تتحدث عن وجود طفل في العلاقة وغيرها من الدلائل، غير أنّ الأم تردّدت في كشف الأمر وفضحه لابنها خوفا عليه ومن ردة فعله التي قد تنجم عنها جريمة قتل ومجزرة تنهي العائلة، كما أنها استشارت بعض الأهل الذين أشاروا عليها بالتكتم على الأمر ما لم تشهد بعينها الفعل رفقة 3 شهود آخرين.

المحامي براهيمي: القانون يتعامل بصرامة مع قضايا الطعن في النسب

وفي السياق أوضح المحامي إبراهيمي حسان أنّ تحليل الحمض النووي “الآ دي آن” لا يتم إلا بتسخيرة من القضاء وهو غير متاح للجميع ونادرا ما يوافق القاضي على اللجوء إليه.

وأضاف براهيمي أن القضاء يتعامل بصرامة وبشدة مع قضايا الطعن في الأنساب مؤكدا أن أغلب القضايا هي وسواس قهري أو مساومات وابتزاز في حين أن قضايا أخرى تكون بناء على اعترافات تدلي بها الزوجة تحت الضغط والتهديد بوجود قرائن وشهود.

وقال براهيمي إنّ المخبرين العلميين الوحيدين اللذين يجريان هذا النوع من التحاليل، هما مخبر الأمن الوطني والدرك الوطني.

وكشف المتحدث عن معالجة المحاكم لعديد القضايا من هذا القبيل في الآونة الأخيرة حيث تبدأ بشك يسكن الزوج وتنتهي بتدمير كلي للأسر وتشتيت لها.

المحامية بن براهم: قضايا التشكيك في النسب فضحت كوارث أخلاقية

من جهتها كشفت المحامية والحقوقية بن براهم فاطمة الزهراء أن المادة 40 من قانون الأسرة تمنح للقاضي السلطة التقديرية للجوء إلى اعتماد تحليل الحمض النووي “ADN” في قضايا إثبات النسب.

وحتى المخابر العلمية الخاصة تفتقد لهذه الخدمة وهي مقتصرة فقط على المخابر العمومية لمصالح الأمن الوطني والدرك الوطني.

وعادت بن براهم في حديثها مع “الشروق” إلى بدايات الحديث عن قضايا التشكيك في الأنساب وأنها تعد من الطابوهات رغم الكوارث اليومية التي نسمع عنها هنا وهناك ولو أننا فتحنا الملف فعليا لوقفنا على كوارث يندى لها الجبين.

واعتبرت السماح باستخدام تحليل الحمض النووي ضرورة لإثبات النسب حيث كانت من الأوائل الذين أثاروا المسألة وواجهت سيلا من الانتقادات والهجومات الشرسة وقالوا لها بالحرف الواحد “واش راكي تخلطي”.

ودافعت بن براهم عن تحليل الحمض النووي وعن نتائجه الصحيحة وإمكانية الاعتماد عليها للبت في كثير من القضايا سيما بالنسبة لإثبات نسب الأبناء مجهولي الهوية.

وقالت بن براهم إن نوايا بعض الأزواج في رفع قضايا نفي النسب تعود إلى التهرب من النفقة، بعد أن يحاصروا بأحكام تستوجب في حقهم النفقة وبدل الإيجار.

وحسب بن براهم فإن إجراءات قضايا نفي النسب تأخذ مدة زمنية طويلة وهناك من الجزائريين من خاض مشوارا طويلا وانتظر لأكثر من 5 سنوات وهم مشتتون بين مختلف المحاكم من أجل الحصول على الحكم في نهاية المطاف وأحيانا تكون النتائج غير مضمونة.

بهلولي ابراهيم: لا بد من نصوص قانونية تواكب مستجدات المجتمع

المحامي بهلولي ابراهيم قال إن قضايا إثبات أو نفي النسب صعبة نوعا ما في بلادنا رغم وجود المخبر الخاص بالحمض النووي والبصمة الوراثية، فالقاضي وفق القانون غير ملزم باللجوء إلى ذلك إذا لم تتوفر لدية النية.

وفي بلادنا، يقول المحامي، أغلب القضايا التي يثبت فيها النسب هي قضايا الزواج العرفي.

وأضاف المختص “يجب على القاضي أن يكون تدخله ايجابيا وأن يستجيب مباشرة كي يعطي الفرصة للابن ولأحد الزوجين للخروج من حالة الشك والريبة التي يعانيها”.

وقال المحامي إنّ الحرب النفسية التي يخوضها الأزواج هي التي تدفع بهم إلى مثل هذه القضايا، حيث يكون فلذة الكبد سلاحهما كأن تنكر الزوجة نسب ولدها لأبيه انتقاما منه لتطليقها أو الإبقاء على حضانتها بعد إعادة الزواج من غيره أو ما شابه ذلك.

وأضاف بهلولي أن القانون الجزائري يفتقد لآجال صريحة للجوء إلى اللعان بين الزوجين وهو إجراء يسبق الحكم القضائي رغم أن الشريعة تنص على أن يتم ذلك في الأسبوع الأول الذي يعقب الولادة، حيث يصرح بأنه ليس ابنه ولا ينسبه له. ولا يعذر أحد بجهله لأن مثل هذه القضايا ترفع بعد شهر من ولادة الطفل وفق القانون.

ودعا بهلولي إلى ضرورة تطوير النصوص القانونية لأن تطور العلاقات الاجتماعية والمشاكل الأسرية في ظل بعدها عن الدين والمحافظة نحتاج الى نصوص قانونية دقيقة لحل كثير من القضايا العالقة التي استعصت على القانونيين والقضاة لعدم وجود نصوص سابقة لها.

الإمام تواتي: لا دليل للطعن في النسب إلا بتوفر أربعة شهود

حذّر كمال تواتي إمام مسجد المدنية بالعاصمة في حديثه إلى الشروق من التساهل في الطعن في العرض وأفاد بأن اتهام الآخر في عرضه والتشكيك في النسب يعد إثما عظيما وبهتانا وإفكا كبيرا وأن الشريعة الإسلامية لم تتساهل أبدا في التعامل مع هذه القضية وأن الدين لعن من انتسب إلى غير أصله، لهذا نهى عن التبني بدافع الرحمة والعطف وفتح باب الوصية لمن يريد أن يحفظ حقوق الابن المكفول به.

وتطرق تواتي إلى أن الذي يتهم الآخر في عرضه دون بيان شرعي يجلد 80 جلدة إن ثبت بطلان قوله وشهادته، عندما يكون المتجني أجنبيا عن الزوجين، أما إن كان الاتهام بين الزوجين فإن الأمر هنا، يقول محدثنا، يتعلق بقضية اللعن، حيث يقسمان بالله أربعا والخامسة أن لعنة الله عليهما إن كانا من الكاذبين، وأضاف “يحسبونه هينا وهو عند الله عظيم”.

واستعرض الإمام مواقف في سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام حاول من خلالها تسوية الأمر باللجوء إلى القافة وهم أناس مختصون في تتبع الأثر ومعرفة النسب قبل اللجوء إلى اللعان لكونه أمرا عظيما عند الله تعالى.

وقال تواتي إن الإسلام جاء ليحافظ على الأسر والأنساب لا ليهدمها وأن أي دليل عدا رؤية الفعل من قبل أربعة شهود عدول يشهدون بالحق ولا يتراجع أحدهم عن أقواله ولا يغير فيها لا يمكن أن يعتد به حتى وإن تعلق بخبرة طبية تؤكد العقم واستحالة الإنجاب فكما قال “إن الله إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون” وكما قال أيضا “لو قال الطب مستحيلا لما كان دليلا قاطعا، حتى أن الأطباء بعلمهم اعترفوا بقلة علمهم ومحدوديته أمام حالات الشفاء التي واجهوها في مشوارهم فالكرامات لا تنقطع في أمة محمد”.

واستشهد الإمام بواقعة السيدة عائشة التي اتهمت في عرضها بوجود دلائل وقرائن إلا أن الرسول لم يتفوّه ببنت شفة إلى أن جاءت براءتها من السماء.

واستبعد تواتي الاعتماد على الصور والفيديوهات لأنها قد تكون مفبركة وحتى إن لم تكن فإن الدين واضح في المسألة حيث يشترط الرؤية البصرية الحسية بالعين المجردة من قبل أربعة شهود عدول عاقلين كل يدلي بشهادته على انفراد ثم تقارن الشهادات.

وقال “حتى وإن خرجت من بيت دعارة أو حانة لا يجوز اتهامها في عرضها فما أدرى من رآها بما كانت تفعله بالداخل”.
وقال تواتي إنّ الطعن في النسب بات مجالا للمساومات والتهديدات وفضح الناس حيث قال “والله سمعنا قضايا أغرب من الخيال”.

مقالات ذات صلة