التماثيل المسيئة إلى المُثل
وأنا أتابع فعاليات انطلاق تظاهرة قسنطينة، توقفت عند تمثال العلامة عبد الحميد بن باديس، وتساءلت كأي عاقل في هذا البلد: هل تمثال ابن باديس، تمثيل له أم تمثيل به؟ فوجدت أن ذلك تمثيل بنا جميعا؛ ذلك أنه عندما نصنع تمثالا (صنماً يعني) لرجل علم ودين، فكأننا نزعنا من بين يدي العلاّمة الكبير المصحف ووضعنا بدله الطنبور، وفقاً لرأي قصة يرويها أبو حيان التوحيدي في “الإمتاع والمؤانسة”، ونكون بذلك قد قاربنا نفس منهج عمارة بن يونس وحكومته في التحليل بالقانون لما حُرّم بالشرع، أو كما يقال فلسفياً “تدنيس المقدس” بأن جعلنا للدين وثناً!
هذا الحادث، الذي لا يبتعد كثيرا عن الرسوم المسيئة، سببه الجهل بالدين وبفلسفة الدين الإسلامي ككل من طرف المشرفين على السياسة والثقافة والعلم والأخلاق والتربية والرياضة والتجارة والاقتصاد والفكر والنفط في هذا البلد: رجالُ الدين ومنهم العلامة ابن باديس وغيرهم من العلماء والفقهاء الذين حاربوا البدع والتمائم والأصنام والأزلام والأضرحة والقبور، لغيرتهم على هذا الدين، الذي حاولت فرنسا الاستعمارية أن تدنّسه بكل السبل، حتى وصلت إلى غاية تحويل المساجد إلى إسطبلات وتشجيع الوعدات والزردات على أضرحة أولياء مصطَنعين من أجل الترويج للفاحشة ومعاقرة الخمر في خضم “الزيارات المقدسة للأولياء” وهناك مئات الحالات والمقالات والكتب الفرنسية التي تتحدث عن هذه الظاهرة باعتراف كتابهم جميعا.. وكان الشيخ البشير الإبراهيمي يسمي هذه المناسبات “الدينية المدنسة للدين” بـ“أعراس الشيطان“. نحن اليوم نسير في نفس السياق وكأن “آباءنا وأجدادنا الغولوَا” هم من سنّوا لنا هذه “السنة غير الحميدة“!
عندما تابعت قضية “توثين ابن باديس” في هذا الوطن، تذكرت أيضا كلمة قالها الأديب الأيرلندي الساخر جورج برنارد شو لمّا سأله أحد الصحفيين الأمريكان عن تمثال الحرية في أمريكا ورأيه فيه، وكان “برنارد شو” يكره الأمريكان وأمريكا، فأجاب بكل سخرية وحذق: “أنتم مثلنا في بريطانيا تقيمون التماثيل لموتاكم“. وهذه هي الحال عندنا؛ أردنا أن نقتل ابن باديس مرتين، مرة واحدة: أن اخترنا إحياء يوم العلم بمناسبة وفاته، ثم بـأن وضعنا له وللعلم تمثالا يفيد القتل والموت بعد وفاته، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
نمتُ على هذا الصدى لأجد نفسي أمام مخلوق بقرنين وذنب مشقوق وقد أفهمني أنه “أبو مُرّة” الشيطان كبير الفجّار! قال لي وأنا أهمّ بصناعة تمثال للإمام ابن تيمية – رحمه الله– بمناسبة احتفال ديني قريب. قال لي الشيطان: ارسمه على أجمل صورة وأنا أضمن لك الجنة! قلت له: وهل ضمنتها لنفسك حتى تضمنها لغيرك؟ قال لي: لقد ضمنها لي صاحبكم بن يونس. قلت له: ومن ضمنها لبن يونس؟ قال لي: سعيد سعدي!
وأفيق وأنا أقرأ “فاسألوا كبيرهم إن كانوا ينطقون“!