-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

التوجُّه شرقا

عمار يزلي
  • 868
  • 0
التوجُّه شرقا

صار واضحا اليوم أن العالم بدأ يعاد تشكيله على نحو ما سبق، مع اختلاف نسبي: تشكل على قاعدة الإنجازات التاريخية لحركة عدم الانحياز ومعسكر التعاون والعمل مع الحركات التحررية في العالم والوطن العربي وإفريقيا على الخصوص.

انهيار جدار برلين، كان فيما بدا، بداية لانهيار المعسكر الشرقي وبداية عهد السيطرة المطلقة للمعسكر الغربي و”نهاية التاريخ” كما يسميه فوكوياما.

غير أن “النهر يعود إلى مجراه” كما يقول المثل، وسرعان ما وجدت هذه الدول ومنها زعيمة المعسكر الاشتراكي “الاتحاد السوفييتي” سابقا، وجدت نفسها مجبرة على وقف هذا المدّ، وهذا أمام معضلة التفتُّت والالتهام التدريجي لمكاسبه على الأرض وعلى السمعة الثقافية والاجتماعية التاريخية التي اكتسبها في نصرة وتشجيع الحركات التحررية الثورية الرافضة للاستعمار الغربي. الغرب الذي بدأ جشعا طامعا في التهام العالم كله وإخضاعه تحت نفس التعاليم والقيم الرأسمالية البروتستانتية المتحررة الداعمة لليبرالية الجديدة.

هكذا، بدت عودة روسيا اليوم إلى تقاليدها التاريخية ليس أثناء الحكم الشيوعي، بل ما قبل تحت التعاليم المسيحية الأرثوذوكسية ولكن ضمن الفكر الرأسمالي: لا الإقطاعي ما قبل الثورة البلشفية ولا النظام الشيوعي. توجُّهٌ جديد يقوم على امتداد أجيال من الزخم السياسي والاقتصادي والعسكري لهذه المنطقة بالكامل. وهذا ما نشهده مؤخرا، وفقط قبل أيام حين وقّع الرئيس الروسي مرسوما يقضي بحماية واحترام التقاليد والقيم الروسية المبنية على القيم الدينية المسيحية والإسلامية واليهودية وباقي الأقليات، وهذا لوقف المد الليبرالي الغربي عبر ما يسمى بثقافة الفسخ والمسخ والشذوذ و”عبدة الشيطان” كما يسميها رمضان قاديروف رئيس جمهورية الشيشان.

عودة روسيا إلى التعاون الوثيق والاستراتيجي مع دول الشرق والجوار ومع دول عدم الانحياز والعالم العربي وإفريقيا، يبدو وكأنه عودة إلى إحياء، ليس المنافسة بين القطبين الشرقي والغربي اقتصاديا فحسب، بل عودة إلى تعزيز وجود “وجودي” في ظل الهيمنة الغربية الأمريكية على الخصوص على العالم ومحاولة التهام ما تبقى منه.

الجزائر بدورها، تشعر بأن تطورها ووجودها في ظل المتغيرات الحالية، تتطلب منها تنويع علاقاتها وألا تبقى حبيسة العلاقات الأوربية الأمريكية في المجال التعاون والاستثمار الاقتصادي والطاقوي، بل عليها أن تتجه شرقا وجنوبا أيضا. وهذا ما تحاول فعله اليوم عبر الإعلان عن رغبتها رسميا في الانضمام إلى تكتل “بريكس”، الذي يضم الدول الخمس المؤسسة من الدول ذات النمو السريع: البرازيل، روسيا، الصين، الهند، جنوب إفريقيا.

روسيا والصين أعلنتا على الفور قبول ترشُّح الجزائر ودول أخرى أيضا ريثما يتم الاتفاق على معايير القبول من عدمه، وهو ما سيُبتُّ فيه قريبا.

التوجُّه شرقا للجزائر اقتصاديا وتنمويا، بات واضحا من خلال اتفاقيات التعاون الاستراتيجي بين روسيا من جهة والجزائر والصين من جهة ثانية تمثلت في توقيع الجزء الثاني من الاتفاق للسنوات الخمس المقبلة وهذا قبل أيام فقط، ما يعني أن الجزائر ستشهد تدفق استثمارات كبرى من هذين البلدين، وبلدان أخرى ضمن تكتل بريكس، هذا فضلا عن الاستثمارات الأمريكية والأوربية والشراكة مع الدول العربية ودول الجوار الإفريقي وفي عمق القارة. تعامل وتعاون يقوم على أساس المصالح المتبادلة ضمن علاقات تجارية واقتصادية بحتة قائمة على أساس الانتفاع المشرك وقاعدة “رابح رابح” وليس على قاعدة “الامتياز” القديمة والأحادية المهيمنة خاصة مع الاتحاد الأوربي وفرنسا على وجه الخصوص.

انتهى في الجزائر زمنُ تلك القطبية الأولى ذات الأصول الاستعمارية، وهي تعمل على إنهاء ذلك في القارَّة الإفريقية، مما قد يمهِّد لتنمية مستقبلية مبنية على رؤية استقلالية جديدة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!