-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الثقافة الصوفية في شعر الحاج أسعيذ

الثقافة الصوفية في شعر الحاج أسعيذ

تعتبر بلاد الزواوة قلعة كبيرة لثقافة التصوف في الجزائر، وهذا منذ القرون الوسطى، بفضل بروز مدينة بجاية كمنارة للعلم، نهل منها سكان المغرب الإسلامي. وصار ذلك ممكنا بعد أن حوّلها الحماديون إلى عاصمة لدولتهم.

  • وبحكم موقعها الاستراتيجي، فقد قصدها العلماء، ورجال التصوف من كل حدب وصوب، وخاصة من الأندلس، ولعل أبرز هؤلاء سيدي بومدين شعيب الذي استوطنها من أجل التدريس ونشر التربية الصوفية السنية، للمدة طويلة تزيد عن خمس عشرة سنة، بعد عودته من رحلته المشرقية التي قادته إلى الحجاز، أين التقى بالقطب الصوفي عبد القادر الجيلاني، الذي تتلمذ عليه وأخذ عنه الكثير من أسرار التصوف، وألبسه الخرقة. ولم يغادر بجاية إلا عندما طلبه السلطان الموحّدي يعقوب المنصور، فخرج منها سنة 1198م، قاصدا مراكش، لكنه توفي بتلمسان سنة 1199م كما هو معلوم(1).
  • هذا وقد تولت الزوايا الكثيرة أمر نشر ثقافة التصوف السني، في أعماق الزواوة باللسان الأمازيغي. ثم تدعمت هذه الثقافة بظهور العلامة أمْحمَد بن عبد الرحمن الجرجري الأزهري، الذي أسس الطريقة الرحمانية، بآث إسماعيل في القرن الثامن عشر الميلادي. وقد لعبت هذه الطريقة دورا بارزا في مقاومة الاستعمار الفرنسي، منذ نزوله بسيدي فرج في شهر جوان 1830م(2)، إلى غاية ثورة 1871م، التي تولى الشيخ مُحند أمزيان أحداد قيادتها الروحية، بمعية مساعديه كالشيخ مُحند وَاعْـلي اُوسحنون الإيراثني. ومن أبرز الأسماء التي قادت الانتفاضات الشعبية ضد الاحتلال الفرنسي، تحت رايات الزوايا، الشيخ الحسين بن أعراب ونجله الشيخ الصديق في عرش آث يراثن، والشيخ أعمر، وفاظمة أنسومر، وغيرهم.
  • هذا وقد ساهم الشاعر المتصوف الحاج أسعيذ، في نشر التصوف السني عن طريق الدعوة إلى التحلي بالتربية الروحية المبنية على تقديم الإيثار ومحاربة الأثرة، والتعريف برجالاته المحليين، والمشهورين منهم على امتداد جغرافية الوطن العربي على حد سواء، وباستعراض سيرة المتصوفين المتميزة بالعكوف على العبادة والعزوف عن الدنيا، ومجاهدة النفس الأمارة بالسوء، بطرائق متنوعة كالتخلي عن مباهج الدنيا، والترغيب في الجنة، والترهيب بالنار وعذاب القبر، والصلاة والزكاة والصوم والذكر والتسبيح، وغيرها من مظاهر العبادة.
  • الشريعة الإسلامية أساس التصوف
  • ذكر الحاج أسعيذ في شعره أن التصوف الحقيقي، مبني على الشريعة الإسلامية، لذا انتقد الدروشة باسم التصوف. ومن المرجح أنه اكتسب الثقافة الصوفية وتمكن من التمييز بين التصوف الصحيح، وبين الدروشة، بفضل احتكاكه بعلماء مدينة الجزائر التي أقام فيها طويلا، على غرار أبناء منطقة آزفون :
  • سيذي أخْـليل إتِحَكـْمَنْ            شريعا الإســلامـية
  • نـُوكـْني نـَرْوا لمْحايَنْ            أثـْلاقْ فلاغ لحْـكايا
  • أسْلامْ أفْ إباضْنِيَنْ               أسَّـاداتْ أذ ْ لـَوْ لِيَـا
  • الدنيا متاع الغرور
  • انتقد الشاعر الزاهد الحاج أسعيذ تعلق الناس بالدنيا الفانية، التي اعتبرها مجرد فسحة عابرة لا تدوم، وأن الآخرة خير وأبقى، مشيرا  إلى أن البعض لا ينتبهون إلا بعد فوات الأوان، وقد رحلوا بموازين خفيفة، فيتحسّرون ويتمنّون العودة لتثقيلها:
  • أوْنـَحْكـوغ ْ يـا إخـــواني         أدُونِــثـاڤـي أمْ لخـيــالْ
  • بـَـزّافْ إنحُوبْ الفانــــي         نـَبـْرَيَـاسْ إرّاس المَـالْ
  • مِي أيْفـُوثْْْ الحَالْْ أسْنِينِي         أنخذمْ الخيرْ مَانـُوغالْ
  • وقال في مقطع شعري آخر:
  • أكـُنْ رَشـْذغ ْ أرْ لِيسْلام         اُوحْذِيـقْ يَفـْهَـمْ يـَشـْـفى
  • أدُونِـيـثـاڤِـي أمْ لـمْــنـامْ         أمِـنْ يُـورْڤـانْ إثـْـنـَــفىَ
  • أمَسَاڤِي أتسْعِِـوْذمْ أخامْ        إڤـَخـْـذمْ الـعَـبْـذ ْ يُـوفـــىَ
  • تخلية القلب وتحليته
  • دعا الحاج أسعيذ إلى تخلية القلب من حب الدنيا، ثم تحليته بمحبة الله، التي تحصّنه وتقيه شرور إغراءات الشيطان.
  • ألـمُومْـنـيـن أيْـفهْـمَـنْ أسـمعْ            ألـهَــدْرا  ثـكـْشـَمْ  أقـَـرّو
  • مي أثصُوبْ أرْوُول يَتخشعْ            سَلحُب أربـّي أذيَـتسْــرُو
  • مي خـَزْرَنْ الظالـمْ أذيَخـلـَعْ            أشِيطانْ اُورَثـنِيتسْـغورُو
  • المرشد الصوفي
  • تعتمد التربية الروحية الصوفية، على شيخ الطريقة الذي يأخذ بيد المريد، ويساعده في حفظ قلبه من الفساد الأخلاقي، كالكبر والحقد والحسد والنميمة والمكر والكذب وغيرها من أنواع الرذيلة، ويرشده إلى الطريق المستقيم الذي يوصله إلى العُلا حيث محبة الله، ويقتضي الوصول إليها مجاهدة النفس بألوان العبادة كالصلاة والصوم والتسبيح والتكبير والذكر وغيرها.
  • وتناول الحاج أسعيذ هذا المعنى في القطعة الشعرية الموالية، ثم ختمها  بإبداء قلقه على مصير التصوف بعد فراغ الساحة من الشيوخ المخلصين:
  • يَتسْـرُ وُولْ مي دِفكـَّرْ         إيَـ?ـْعَــدّانْ إلـْـمُحِـبّـيـــنْ
  • لشياخ في أيْبَانْ السّـرْ        أذ ْ لخوانْ أيَـتسْــرَبـّـــينْ
  • نـَدَّرْ وَرْنمُوثْ نَحْضَرْ       ذلـْـبـدْع َ أيَـتسْــــحِـبّـيــنْ
  • التوبة .. بداية الطريق
  • تحدث الحاج أسعيذ عن التوبة، باعتبارها بداية مسار السالك في سعيه إلى معرفة الله، وإدراك محبته، ويبدأ السالك مساره بالندم عما صدر عن النفس الأمارة بالسوء من المعاصي:
  • أويذ ْ يَغـرَانْ لمْعاني       نـُوڤاذ ْ أسَدَاتْ، أثــْمَالْ
  • أيّاوْ أنـْثـُوبْ أنـْعَـنّي       أنـَتـسْـرُو مَــا نـَنـَقـْـبَالْ
  •  وقال في قطعة شعرية أخرى:
  • ألـمُومَنْ أيْثوبْ أرْ بَابيسْ        يَندَمْ سَـڤـُولْ يَسْثغـفـرْ
  • ألقـُومَ إغـُـوريثْ إبلــيسْ        يَـتـبَعْ أدُونـيثْ يَخـسَـرْ
  • أولياء الله
  • أشار الحاج أسعيذ في شعره إلى بعض أعلام الصوفية المعروفين بإخلاصهم لله، وكراماتهم البادية للعيان، ذكر بعض الشخصيات المحلية التي سمع عنها كثيرا، كالشيخ سيدي يحي العيذلي (من القرن 15م)، والشيخ سيدي منصور الوافد إلى عرش آث جناذ في القرن 17م، والشيخ أمْحَمد بن عبد الرحمن الجرجري المتوفى سنة 1793م، والشيخ مُحَندْْ أمزيان الحداد (من قرية صدوق) المتوفى سنة 1873م، والشيخ مُحند وََعْْـلِِي اُوسحنون( لربعا ناث يراثن) المتوفى في أواخر القرن 19م، والشيخ مُحند وََلـْْْحُُُسِين (عين الحمام) المتوفى سنة 1901م.
  • في حين ركز على الشيوخ الذين عرفهم عن كثب، كالشيخ أشريف (من قرية ثيمليلين) المتوفى سنة 1918م، والشيخ أحمد أجذيذ (إغيل أنزكري) المتوفى سنة 1938م، والشيخ أعمر أمزيان، والشيخ أحمد اُوصالح المتوفى سنة 1919م (من آزفون)، والشيخ أمقران ناث زلال المتوفى سنة 1941م. أشار إلى هؤلاء وغيرهم في قصائد عديدة، اقتطفت منها -بالتصرف- الأبيات التالية على سبيل المثال:
  • وَرَّكـُـومْ أهــلْ التـّصـريــفْ            أجْمِـيعْ آكْ لشياخْ نَسَّـنْ
  • بن سحنون ، الشيخ أشريفْ            ثِيسُورَا ذڤْ فـَسَنْ أنسَنْ
  • أنـشـا الله اُورْيَتِسيـلِي وُريف ْ          إدَّرْيَا الحُسـيـن ذحْـسـنْ
  •  وقال أيضا:
  • أصَالحِينْ آث بـُوثــَتشورْ           الشيخْ مُحند وَلحُوسِـيـنْ
  • أثنَعْرَضْ أسيذي منصورْ          اُولا أذكـَتشْ يَـبْـضِيكِـينْ
  • الدِّيـــنْ أمْ لـفـنــارْ نـَنـّورْ           نـُوثنِي أبْغانْ أثسَخـْسِينْ
  • وذكر الحاج أسعيذ عددا آخر من أولياء الله في القطعة التالية:
  • زيـــــــكْ أسْـمي ثـلا أنـّـيَا           نَتزُورْ اُوصالحْ، أذ ْوَجْذيذ ْ
  • ذدَرْيــَـــــــــا نـَشـُــرَفـــــا           كـُـلْ ثـادارْثْ أسْــيوَنْ أزيذ ْ
  • شـيخ أحـمـد بن يـوســـفـَا           قـُطـبْ الغــُوثْ أبــو اليزيذ ْ
  • ســـيذي بـهـلـول إشـَــرْفا           الشـــــــيخ محمد أســعـــــيذ ْ
  • ثِرَشْثْ اُورْ نسْعِي أكورْفا          ألـُوكــــــانْ إنـَـتسْــوَحِّيــــــذ ْ
  • يَفـْكاياسْ ربّي أسْ لـُـوْفـَا          إثْ بـَاضْـنِــيــثْ إ?ـَسِــكِــــيذ ْ
  •     أما عائلة الشيخ اُوسحنون المعروفة بجهودها التربوية والتعليمية في آث يراثن (ولاية تيزي وزو) وإغزر أمقران (ولاية بجاية)، فقد خصص لها الحاج أسعيذ قصيدة مشكلة من  18 بيتا، اخترت منها هذه الأبيات بالتصرف:
  • بن سحنون أذ ْ وَرَويــــــسْ          أذ ْ لاصَلْ ماشي أذلـَمْعَرَّا
  • مَـنـْكـُولْ العـلـم يْـدَرِّيــــــسْ           أيْـسَـاغ ْثـافـاثْ إثــْمُــورَا
  • ألخِيرْ يَـنـْفـَلْ ساثْ وَغْـلِيسْ           مي خـَذمَـنْ ربّي أسْ نِيَّـا
  • مي أذرَبّي أفكانْ لعْشوريسْ         أيْـكـَــرْمِـيـثـَــنْ سَـــــزّوَايَا
  •     وذكر الحاج أسعيذ في شعره، الشيخ بن عبد الرحمن الجرجري (مؤسس الطريقة الرحمانية) أكثر من مرة:
  • ضَلـْبـَغـْكْ أرَبّي إلغـُفرانْ           ذرْسُــــــولْ مُحمديَا
  • ذشيخ بن عبد الرحمــــنْ          الـــوَلي جَــرْجــريـَـا
  • ألخُوفْ أغِـقـُـلْ أذ ْ لـمَانْ           أجْمِــــيعْ أكـَا ذا نـَـلا ّ
  • وقال عنه أيضا:
  • أشِــيخ بن عبد الرحمــنْ           إسْـنـَسْـلاكْ أيَـنـْعَــلــَّـقْ
  • يَـفـْكـَايَـاكْ أنبي لامَــــانْ            أفْ ألهَـــوَى اُوريْـنـَطـَّقْ
  • أنشا الله أربّي الرّحمـــنْ           أسْـفِــيـنـَا أنـَّغْ اُورَثـْغـَـرَّقْ
  •      أما أولياء مدينة بجاية العريقة في العلم، فقد أشار الشاعر الحاج أسعيذ إليهم جملة، في هذين البيتين:
  • الغـَنِي أيْخـَلـقـَنْ الجـيشْ               ألـبَـرْ لـبْحـُور ذِيڤـَـنـْـوَانْ
  • عَـنّاغـَكِينْ سيذي عيشْ                ذصَلا َّحْ نـَبْـڤايَـثْ أقوَانْ
  •    كما أشار باقتضاب في بعض قصائده إلى  بعض الأسماء الكبيرة، المعروفة على مستوى العالم العربي، كعبد القادر الجيلاني، وسيدي بومدين شعيب، وعبد السلام بن مشيش، وأحمد بن يوسف الملياني. وهذه بعض الأبيات المستخرجة من قصائده العديدة:
  • أطمَناكْ أنبي أدَحْضَرْ           أثـْضَـمْـنـَضْ الرّحــــمانيا
  • أهَا أشــيخ عبد القادر           أسّـــلــطـــــــانْ الـبُـــــدَلاء
  • ثـَبْتاغ فـَصْلاة وذِكرْ             أنـْغاغ ْ أفْ  ِيسَـمْ الجلالَ
  •    وقال أيضا :
  • عبد السلام بْنـُو مَشِيشْ          ألـْغـُوثْ يَضْوانْ أتـْلمسانْ
  •  
  • “”يتبع”
  • الهوامش
  • 1- أنظر للتوسع:
  • – مفتاح خلفات: قبيلة زواوة بالمغرب الأوسط مابين القرنين 12-م 15م، دار الأمل تيزي وزو،2011،
  • – الطاهر بونابي، التصوف في الجزائر خلال القرنين12/13م، دار الهدى، عين مليلة، 2004.
  • 2- Joseph Nil Robin,Notes historique sur la Grande Kabylie, éditions bouchene , 1999,p.27.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • Anouar

    شكرا دارزقي على تذكيرنا بهذه الأسماء. أين نحن الآن من تصوف أجدادنا؟ بعد أن فعلت فرنسا ما فعلته في زوايانا و علمائنا، جاءت البعثية المادية بعد 62 فأتت على الأخضر و اليابس مما نجا من عسف و عفس فرنسا و لم يقتنع الناس من جرا تلك الإيديولوجية أن اللغة العربية معادية للأمازيغية فحسب، بل أن فشلها عن إخراج البلاد من التخلف وإفسادها لأخلاق الجزائري أفقد الناسَ الثقة في ثقافتهم الموروثة و صاروا ينظرون إليها بشزر. وأخيرا جاء السيل الإسلاموي العرمر و لم يُبق إلا الأطلال التي تدعونا الآن إلى الوفوف عليها.