العالم
بقايا الأنظمة العربية ترقص على أشلائه

الثورة المضادة تهزم “الربيع العربي” في مهده

الشروق أونلاين
  • 11836
  • 51
ح. م
ميدان التحرير بمصر

شكّلت الانتخابات الرئاسية التونسية آخر الفرص أمام “الربيع العربي” كي يثبت مخالبه في بلد المنشإ ومهد “ثورة الياسمين”، لكن التحديات كانت أكبر منه ففشل وانتكس، بينما عرفت “الفلول” كيف تنقضّ على الثورة قبل فوات الأوان.

وبفوز الباجي قايد السبسي (88 سنة) الذي يوصف بأنه مرشح الثورة المضادة، وخسارة محمد المنصف المرزوقي الذي يقدم على أنه مرشح الثورة، تكون آخر ما تبقى من قلاع ثورات الشارع العربي ضد الأنظمة الشمولية ودولة الفرد وحاشيته، قد انتكست.

والسبسي لمن لا يعرفه، هو أحد رموز نظام الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، مديرا للأمن الوطني، ثم وزيرا للداخلية، وقد حافظ على قربه من النظام حتى بعد إزاحة بورقيبة ومجيء الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي، وهو ما مكنه من رئاسة البرلمان في نهاية ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن المنصرم، قبل أن يعود مجددا إلى رئاسة الحكومة مباشرة بعد هروب بن علي من تونس في عام 2011.

ولم يعدالربيع العربييستهوي الكثير، لا سيما بعد أن تمكّن أعداؤه من طمس إنجازاته وتحويل مساره شيئا فشيئا، من حراك سلمي متحضّر وبأهداف مشروعة، إلى صدام دموي لم يجلب لدول مثل سوريا وليبيا سوى الدمار والقتل، غير أنه وبالمقابل كان دافعا لبعض الدول ومنها الجزائر، كي تطلق إصلاحات ظلت تسير بوتيرةالربيع العربي“.

وإن فشلتثورة الياسمينفي فرض قيمها كمشروع حضاري متمدّن، وتسويقه كعلامة مسجلة وناجحة، إلا أنها بالمقابل لم تهو بتونس إلى أتون حرب دموية، أو تسلّمها لانقلاب عسكري من شاكلة ذلك الذي عاشها العالم في ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم.

وبات واضحا أن جل القوى الإقليمية لم تكن تتمنى رؤية نظام عربي وليد من رحمالربيع الربيعينقاد وراء إرادة شعبه نحو قيم الحرية والديمقراطية ودولة القانون والمؤسسات، ولذلك لم تتردد تلك القوى المسكونة بهواجس الخوف من المستقبل، في وضع جبال من العراقيل أمام الأنظمة التي بدأت تتشكل من رحم إرادة شعوبها، فكان التركيز في البداية منصبّا على مصر، لاعتقادهم بأنها محور أي تغيير في المنطقة العربية.

وبعد أن حُسم الأمر في مصر لصالح إرادة العودة إلى الوراء وتبرئة مبارك.. انتقل التركيز إلى تونس باعتبارها آخر ما تبقى من الأمثلة الناجحة لدولالربيع العربي، فبدأ التضييق بمحاصرة حكومة الثورة الحقيقيةالترويكاماليا وحرمانها من المساعدات عكس ما حدث مع حكومتي السبسي ومهدي جمعة، قبل أن يحاولوا استنساخ التجربة المصرية، بتحريك الشارع لدفع الحكومة إلى الاستقالة، وهو ما حصل.

ولم يكن هدف القوى الإقليمية هو ضرب تونس وإعادة الفلول، بقدر ما كان الهدف هو إفشال آخر ثورات الربيع العربي نصوعا، ثورة الياسمين، التي استلهمت منها بقية الشعوب العربية، قيم مواجهة الاستبداد والديكتاتورية والموت من أجل معانقة الحرية والديمقراطية.

ومن شأن انتكاسةالربيع العربيفي منبته أن يعطي جرعة أمل للأنظمة التي بقيت في منأى عنه، غير أن ذاك سوف لن يعفيها مما قد يعصف بها من عواصف غير منتظرة، ما دامت المبررات التي استدعتالربيع العربيلا تزال قائمة

مقالات ذات صلة