الرأي

الجامع الأعظم وذنوبنا “العظيمة”؟

قد نصدّق بأن فرنسا لا تريد للجامع الأعظم في الجزائر العاصمة، أن يقوم ويُؤذن للصلاة، وهي التي زرعت المدينة منذ قرابة قرنين من الزمن، بالكنائس، وقد نصدّق بأن أتباعها في الجزائر، لا يريدون لهذا المسجد أن يُؤسّس على التقوى من أول يوم وأن يقوم فيه رجال يحبّون أن يتطهروا، كما ورد في القرآن الكريم، ولكن أن يتحوّل بناء مسجد في قلب الجزائر، إلى تحدّ كبير لقوى عالمية، ونثير من حوله كل هذه الضجّة، فتلك أسطوانة مللنا سماعها منذ أن باشرت الجزائر إنجاز ميترو العاصمة في عهد هواري بومدين، وسلمته في عهد بوتفليقة بمسافة مجهرية، أو جامع الأمير عبد القادر بقسنطينة الذي حلم به أحمد بن بلة ودشنه الشاذلي بن جديد، أو الطريق السيّار الذي مرّ عبره خمسة وزراء حملوا حقيبة الأشغال العمومية منذ نهاية القرن الماضي، ولم يسلّم بعد.

لقد أنجز الإماراتيون جزرا عائمة، وأبراجا ناطحة للسحاب، وشق المصريون “ميتروهات وكوبريهات” تحت الأرض وفوقها، وبنى الماليزيون والمغاربة مساجد عظمى، بل إن أندونيسيا وإيران وتركيا، شيّدوا مدنا عصرية لا تختلف عن أي مدينة أوروبية، ولا أحد تعرض لمثل هاته الحواجز “المزيفة” التي يتحدث عنها الجزائريون، الذين تهاطلت عليهم غيوم الثروة، فمنحوها لمن أسمعونا صوت النقود وفرّجونا في النماذج و”الماكيتات” وأشعرونا بأنهم بصدد نحت الجبال وشق المحيطات، والحكاية مجرد مال كثير جدا لإنجاز عادي، موجود مثيل له، وبأقل سعر وأقل جهد وأقل زمن، في كل بلاد العالم.

كل المشاريع المسماة بالكبرى في الجزائر، تغرق في اللعاب أكثر من العرق، من ميترو العاصمة إلى ميناء جنجن إلى الجسر العملاق في قسنطينة إلى ملعبي تيزي وزو ووهران، ووصولا إلى الطريق السيّار والجامع الأعظم، فهي تتأرجح من يد إلى أخرى، ومن وزير إلى آخر، ومن شركة أجنبية إلى أخرى أجنبية أيضا، فتستهلك المال والوقت وتحرق الأعصاب، وعندما يصل حامل المشروع إلى باب مسدود أو إلى حافة الإفلاس، يُسرع لاستخراج أسطوانة “اليد الأجنبية” التي تتكرّر حرفيا مع تغيير التاريخ وإسم المشروع فقط.

ما تحقق من مشاريع في السنوات الأخيرة – من دون الحديث – عن عيوبها، هي أمر عادي، في بلد جنى قرابة ألف مليار دولار من عائدات النفط، والوزراء والولاة، ورثوا الأقوال التي تغلب الأفعال، من زمن الثورة الزراعية والقرى الاشتراكية، فغلب الضجيج على العمل، فكانت النتيجة أن كره الناس بعض المشاريع، قبل أن يتمتعوا بها، أما الإنجاز الحقيقي الغائب، فسيكون لو تمكنا من بعث مشاريع، بعد أن انهارت أسعار النفط أو من دون عائداته، كما حصل في أندونيسيا والمكسيك، أما أن ننجز على أرضنا مشروعا بالمال “النفطي” في سنوات طوال بأيدي أجنبية، ونسميه بالأعظم، ونحيطه بكل هاته “العنترية”، فإننا سنكون قد ارتكبنا في حق بلدنا ذنوبا “عظيمة” قبل أن ننجز الجامع “الأعظم”.

مقالات ذات صلة