جواهر
في ثالث أيام العيد جزائريات يصرحن:

“الجبانة ولا وجوههم”!

سمية سعادة
  • 8651
  • 27
ح.م

إذا كانت بعض الجزائريات يعتبرن عيد الفطر فرصة لترميم العلاقات الاجتماعية التي انهارت بسبب الخلافات والمشاكل فيبادرن إلى زيارة الأشخاص الذين توترت معهم العلاقات أو يتصلن بهم كتعبير عن حسن النية، إلا أن جزائريات أخريات يظلن محافظات على درجة حرارة التوتر والخلاف بما يعطي انطباعا للطرف الآخر بأنه ليس هناك مجال لالتئام العلاقات في الأيام العادية إذا كان العيد بنفحاته الطيبة لم يطبّب النفوس التي شرختها الخلافات الضيقة والحقد المتنامي، ولذلك صارت المقابر في العيد هي وجهة النساء اللواتي رفعن شعار المقاطعة مع الأحياء وكأن لسان حالهن يقول”الجبانة ولا وجوه الحيين”، في انتظار أن تتأزم حالة القلوب أكثر فيتم مقاطعة الأموات بناء على ما جرى قبل أن تفرقهم القبور…

إذا سألنا أي شخص عن الأجواء التي تصاحب العيد، أجابنا على الفور بنبرة ممتلئة بالشحوب”سامطة “، وأضاف عليه”ربي يرحم عيد زمان”، “عيد زمان” الذي لم تكن فيه المكالمات الهاتفية ورسائل” الأس أم أس” تتولى مهمة توزيع التهاني، ولم تكن القلوب قد أصابها من الحقد و الغل ما أصابها اليوم، فتجد الواحد يلقي عليك تحية العيد استجابة لوصية إمام المسجد الذي صلى فيه صلاة العيد، وكأنما ينفث فيك سما وهو يقول بينه و بين نفسه:” لوكان ماجاش العيد..” لتبادله أنت نفس الإحساس حتى لا تكون أقل منه” مروءة ” مرددا بينك وبين  نفسك: ” لوكان ماجاش العيد..” ليتم استئناف”مسلسل “الحقد العلني بعد العيد مباشرة.

 وإذا كان بعض الجزائريين قد أبقوا علاقاتهم مع الأخريين “واللي في القلب في القلب “، إلا أن البعض الآخر قطعوا هذه العلاقات على حساسيتها بحد السيف، غير آبهين بصوت الإمام الذي بحّ في المسجد وهو يردد : صلوا أرحامكم.. بيضوا قلوبكم “وكأنهم يردون عليه:” دبّر على روحك”، وصنف ثالث من الناس الذي لا يعني له العيد إلا شربة هنية، وأكلة دسمة ، تجده يتحاشى الناس في العيد وكأنهم مصابون بالوباء، فتراه يخرج من المسجد متسللا كقاتل مأجور وهو يلتفت يمينا وشمالا لئلا يراه”المعيدون” فيفرقعون خديه بالقبلات.   

الأموات أفضل..

وأكثر من تتجلى هذه المظاهر لدى النساء اللواتي عادة ما تكون علاقاتهن متوترة مع العديد من الأطراف العائلية والأقارب، وكثيرا ما تعجز هذه المناسبات الدينية السنوية عن إذابة الجليد بين هؤلاء، ولأن الأحياء”ما فيهم خير”ولا يأتي من ورائهم إلا المشاكل، تفضل الكثيرات ممن”عيدن”على صلة الرحم والصحبة والجيرة الذهاب إلى المقابر ليس بغرض زيارة الأموات كما جرت العادة وحسب، وإنما تجنبا لمقابلة الأحياء، فالأموات لا يملكون لهن الضر ولا يحملون لهن ضغينة لذلك هم أحق بالزيارة والتي تقوم بها حتى اللواتي ليس لديهن أموات جدد في المقبرة، وفي هذا الصدد قالت لنا”نبيلة م “:”علاقاتنا بالأقارب ليست على ما يرام، ولا أظنهم سيرتاحون لزيارتي لهم، ولا نحن سنرتاح لزيارتهم لنا، لذلك أقوم بتأدية صلاة العيد في المسجد ثم أتوجه مباشرة إلى المقبرة، حيث أجلس فيها لبعض الوقت، وأراقب أهالي الأموات الجدد وهم يبكونهم بحسرة، وأحيانا أشاطرهم أحزانهم فأبكي معهم مع أني لا أعرفهم “.

ونفس الانطباع تقريبا وجدناه عند أختها “حورية” التي قالت:” قبل سنوات قليلة كنت أقوم بزيارة أقاربي بعد صلاة العيد، ولكني مع الوقت لاحظت أنهم يعاملونني على أني ضيفة ثقيلة، فما إن أجلس حتى يتحججوا بأي شيء لينفضوا من حولي، فأجد نفسي أجلس وحيدة، لذلك قررت أن أرافق أختي إلى المقبرة، حيث نقضي صبيحة العيد بين القبور والأموات الذين لا يملكون الإساءة لأحد”.

وتقول السيدة زهية، وهي امرأة مسنة جاءت لزيارة قبر زوجها، إن قلبها أصبح”أسودا”ولم تعد ترغب في زيارة أحد ولم يعد بإمكانها مسامحة من أساء إليها، لأنها أجبرت نفسها كثيرا على التعايش مع أناس أسمعوها كاملا جارحا وتحدثوا فيها حفاظا على استمرار العلاقات الاجتماعية، أما الآن فم تعد مجبرة على ذلك بعد أن وصلت إلى هذا السن.

السؤال الذي يطرح نفسه في مثل هذا الموقف، ألا تكفي رؤية القبور التي تضم رفات أشخاص كانوا يعيشون بيننا أن تليّن قلوبنا وتجعلنا نستأنف علاقاتنا التي انهارت لسبب ما، أم أنها قست إلى درجة لم تعد قادرة على التسامح حتى وهي بين الأموات واقفة؟.

مقالات ذات صلة