-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الجزائر العصيّة

عمار يزلي
  • 1696
  • 0
الجزائر العصيّة

تاريخ الأمس ليس ببعيد عن تاريخ اليوم، وأحداثه لا تختلف كثيرا إلا في تفاصيل الزمن أحيانا.

10 ماي 1871، كان تاريخ انتهاء الحرب البروسية الفرنسية، بعد حرب لم تدم أكثر من 10 أشهر (19 جويلية 1870 إلى 10 ماي 1871)، مُنيت الإمبراطورية الثالثة تحت لواء نابليون الثالث، بعدها بهزيمة نكراء عل أيدي قوات بسمارك التي كانت تسعى إلى توحيد أشطار ألمانيا. الهزيمة كانت نهاية زمن الإمبراطورية الثالثة وبداية الجمهورية الثالثة في فرنسا. ضيَّعت فرنسا أجزاء من أراضيها في الألزاس واللورين، وسارعت إلى توقيع معاهدة الاستسلام بعد دخول الألمان باريس في 28 جانفي 1871.

في الواقع، كان هناك أكثر من سبب لهزيمة جيش نابليون الثالث وقائد عساكره ماكماهون، من بينها حالة الضعف العددي والتسليحي للجيش الفرنسي الذي كان يخوض معاركه على جبهات أخرى خارج فرنسا ومنها الجزائر التي حاولت فرنسا إخضاعها بعد 40 سنة من الاحتلال العسكري الرهيب والتدمير المنهجي لكن متحرّكا أو ثابتا: أرضا وحيوانا وبشرا ودينا ودنيا.

ثورة المقراني التي لم تدم هي الأخرى أكثر من 11 شهرا، تزامنت والحرب البروسية الفرنسية، مما جعل فرنسا المهزومة تستعجل نقل جبهتها الألمانية لوأد أواخر بؤر المقاومة الشعبية الجزائرية المسلحة.

استعملت فرنسا كل قواتها المهزومة بعددها وعدّتها، في كسر ثورة المقراني، ومن بينها آخر طراز الأسلحة المتطورة أنذاك التي كان الألمان يتفوّقون بها في ساحة المعارك ضد فرنسا وألحقوا بها هزائم متتالية، منها البندقية المعروفة بـ”شاسبو”، والتي عُرفت في لغتنا المحلية فيما بعد بعبارة “ساسبو”، وكذلك الرشاش الذي كان مفخرة السلاح البروسي.

ما يمكن أن نستخلصه من الحرب البروسية الفرنسية، والحرب الفرنسية من أجل القضاء على أواخر الثورات والمقاومات الشعبية، هذه المعادلة التي تكررت مرتين مع فرنسا في الجزائر: كلما فشلت فرنسا في حروبها على جبهة خارج فرنسا أو داخلها، سارعت لتعوِّض ما ضاع من يدها اليسرى لتتمسّك بما هو في يدها اليمنى. اليد اليمنى بالطبع كانت تمسك بالجزائر التي تفوق حاجتها اليها عن كل المطامع والمطامح الأخرى سواء كان مع الجارة الشرقية، ألمانيا أو في فيتنام لاحقا. أول مرة، كانت فرنسا تترك جزءا من أراضيها في الالزاس واللورين لألمانيا مقابل السلام ووقف الحرب، لكي تتفرَّغ لثورة المقراني التي كانت قد بدأت منذ نحو 4 أشهر، وكان عليها أن تسارع إلى وأد الثورة في أسرع وقت بسبب مشاكلها السياسية الداخلية، والتي أفضت في نهاية المطاف إلى إسقاط الإمبراطورية الثالثة وتأسيس الجمهورية الثالثة.

خلال حرب الفتنام، ستقوم فرنسا بنفس الشيء تقريبا بعد هزيمة نكراء مدوّية في ديان بيان فو: تترك جبهة الفيتنام على جناح السرعة في محاولة يائسة لها لوأد ثورة أول نوفمبر 1954 في الجزائر، بعد أن تشتت قواتها هروبا من المشاكل الداخلية التي كانت فرنسا تعاني منها بشكل مزمن ما قبل الثورة الفرنسية ذاتها.

في كلا الحالتين، كان الشعب الجزائري الذي نال منه العسف والقهر على أيدي الاحتلال، يرى في كل عدو ومحتل لفرنسا حليفا وصديقا حتى من أيام بسمارك بعبارة شهيرة وقتها انتشرت بين السكان الجزائريين “البروس شاشية في الرؤوس”، أو حتى اثناء الحرب العالمية الأولى، حرب الإمبراطوريات بامتياز. كان الشعب الجزائر يساند ألمانيا المتحالفة مع تركيا المسلمة، وكانوا يمجِّدون “غيوم الثاني” آخر إمبراطور ألماني، والذي كان يلقب شعبيا في الجزائر بـ”الحاج غيوم”، وعُرفت عنه أغان شعبية تذكّره بهذا اللقب.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!