-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
بعد أن بلغ 44 ألف حالة في ظرف 6 أشهر

الجزائر تستعين بالتجربة الماليزية لمواجهة تسونامي الطلاق

نادية سليماني
  • 20770
  • 0
الجزائر تستعين بالتجربة الماليزية لمواجهة تسونامي الطلاق
أرشيف

يؤكد المختصون أن غالبية أسباب المشاكل الزوجية والطلاق، تافهة، فلو كان الزوجان مستعدين ومؤهلين مسبقا لمؤسسة الزواج، لتمكنا من إنقاذ الكثير من الأسر المفككة، ولهذا انتشرت مُؤخرا الكثير من الدورات التدريبية التي تنظمها مراكز وأكاديميات، هدفها إخضاع المُقبلين على الزواج وحتى المتزوجين لدورات تأهيلية، لمساعدتهما على تخطي المشاكل الزوجية، مع الإسهام في التقليل من النسبة “الرهيبة” للطّلاق والخُلع في مُجتمعنا.
تسجل الجزائر نسبا مرتفعة لمعدلات الطلاق والخلع، حسب ما أعلنت عنه وزارة العدل في آخر حصيلة لعام 2022، إذ تم تسجيل 44 ألف حالة طلاق وخلع في النصف الأول من السنة، أي بواقع 240 حالة يوميا و10 حالات في الساعة، معظمها في الفئة العمرية بين 28 و35 سنة، أي بين المتزوجين حديثا.. كما بلغت الأرقام 68 ألف حالة طلاق سنة 2019.
وباتت الأسرة الجزائريّة في خطر، حيث لم تُفلح جلسات الصلح القضائية ولا تدخّل الأقارب والمصلحين في حماية الأسر من التفكّك، وهو ما يجعل موضوع تدريب المُقبلين على الزواج أكثر من ضرورة، ولنا في التّجربة الماليزية التي تعتبر رائدة في مجال التدريب على الزواج، والتي تمكّنت في ظرف 5 سنوات، من تخفيض نسبة الطّلاق من 32 بالمائة إلى 7 بالمائة.

مدرِّبة: ساهمنا في حل الكثير من المشاكل الزوجية
وفي هذا الشّأن، ظهرت مُؤخرا بعض المراكز مهمتها تدريب المقبلين على الزواج، وتقديم استشارات زوجية، وهي مُنتشرة بشكل لافت على منصات التّواصل الاجتماعي، ولكن غالبية هذه الدورات لا تلقى إقبالا كبيرا من المواطنين، فغالبية دورات التدريب على الزواج تكلفتها مرتفعة، فأحد المراكز الذي اتصلنا به للاستفسار عن الأمر، أخبرنا أن تكلفة دورة من ثلاثة أيام تبلغ 5 ملايين سنتيم، وقال “ألغيناها لاحقا، لأن إقبال المواطنين كان منعدما، ما عدا بعض المتخصصين والنفسانيين، الذين يرغبون في المشاركة”.
وتفضل بعض المقبلات على الزواج، ممن يرغبن في تلقي تأهيل أو تدريب مسبق، التسجيل في مراكز تدريب نسويّة ليشعرن براحةٍ أكبر، ومنها مركز “قلبي اطمأن للتكوين والاستشارات”، والذي أكدت مديرته لـ”الشروق”، وجود إقبال من المقبلين على الزواج، على دورات التأهيل الزواجي. وأضافت “لقد ساهم مركزنا في حلّ كثير من المشاكل الزوجية لأسر كادت تتحطم بسبب التفكير في الطلاق أو الخلع”، وهو ما جعلها تؤكد أهمية تدريب وتكوين الشباب نساء ورجالا على كيفية التعامل مع مؤسسة الزواج.

استنساخ التجربة الماليزية الناجحة
ويعدّ مشروع “لَبِنة للتأهيل الزواجي” الذي تبنته جمعية “حورية” للمرأة الجزائرية، رائدا في مجال التدريب على الزواج، خاصّة وأن “حورية” جمعية نشطة في مختلف المجالات التي تخص المرأة والطفولة والمجتمع ككل، وتعدّ تدريباتها “ذات مصداقية” لاستعانتها بخبراء ودكاترة في مجال الأسرة والتنمية البشرية، وحتى في المجال الطبي.
ومشروع “لبنة للتأهيل الزواجي”، وحسب ما عرّفته مديرة المشروع، المهندسة جهيدة بوشوشان، أنه مشروع ميداني “جد متميز”، تم استخلاص فكرته من التجربة الماليزية، التي تم تطبيقها سنوات التسعينيات، وكانت نتيجتها تقليص نسبة الطلاق بماليزيا من 32 بالمائة إلى 7 بالمائة في ظرف 5 سنوات فقط، وأكدت المتحدثة لـ”الشروق”، بأنه نظرا لنجاح هذه التجربة، قررت ماليزيا إلزام جميع المقبلين على الزواج، بالخضوع لتكوين أو تربص تأهيلي.

شروط صارمة لاعتماد المدرِّبين
وحسب محدثتنا فإن مشروع “لبنة” فهو مشروعٌ ذو لمسة جديدة في الجزائر، هدفه تدريب 100 متدربة ومرشدة أسرية، يشرفن على تدريب وتأهيل ومرافقة 16 ألف شخص مقبل على الزواج على مدى 5 سنوات. وأضافت “نسعى ليأتي يوم تفرض فيه السّلطات الجزائرية، وجود شهادة التأهيل والتكوين كشرط من شروط عقد القران”.
وما يميز هذا المشروع عن التجربة الماليزية، على حدّ قولها، هو أن “ماليزيا تنظم معسكرات تدريبية، وتستدعي اختصاصيين لتأطير مجموعة كبيرة من المقبلين على الزواج، بينما أقدمت جمعية “حورية” على تدريب المتدربات والمرشدات الأسريات، بعد تنظيم مسابقة وبشروط، وغالبيتهن خريجات جامعات، اجتزن عدة تصفيات، قبل خضوعهن لتكوين وتدريب”.
وانطلق المشروع، بتكوين وحْدتين، في الوحدة الأولى “أ” تخضع المُدرّبات لتكوينات في محاور أربعة، وهي المحور الاجتماعي النفسي، والمحور الشرعي التربوي، وأخيرا الشق الاقتصادي.
أما الوحدة الثانية “ب”، فيتم تكوينهن في محور التغذية الصحّية، وأيضا التأهيل الجنسي ومحور الطفولة والأمومة.

تكوينات حول إدارة المشكلات الزوجية
وقالت مصدرنا: من شروط الوحدة “ب” أن تكون “المدربات فيها من قطاع التأهيل الصحي، سواء كن طبيبات أو قابلات أو صيدليّات..”، بينما يشرف متخصصون ودكاترة، على تأطير المدربات، ومنهم سمير دهريب، كريمة سعودي ودكاترة آخرون. كما يخضعن في الوقت نفسه، إلى تكوين ذاتي عن طريق تلخيص كتب، ودورات في مجال المهارات، وفي فنون الإلقاء والعرض، والتطبيقات حول الجلسات الإرشادية، والتي تخضع دوما للتحيين والتجديد. وقد تم تكوين 60 مدربة ومُكوّنة إلى حد الساعة.

متزوجون منذ 15 سنة يختارون التأهيل
وكشفت مديرة المشروع، على تكوين وتأهيل 200 شخص مقبل على الزواج في تجربة أولى، ومنهم متزوجون جُدد ومقبلون على الزواج، “بل حضر معنا متزوجون منذ 10 و15 سنة”، وأكدت أن التدريب موجه لكلا الجنسين “لاحظنا إقبالا للنساء أكثر من الرجال، وهو ما جعلنا نفكر في طريقة لاستقطاب الذكور أكثر”.
ويتلقى المقبلون على الزواج تكوينات حول كيفيات فهم شريك الحياة، وتقنيات إدارة المشكلات الزوجية، الفروق الفردية، كيفية التعامل مع الأهل في البيت، واجبات وحقوق كل طرف، إضافة إلى الحقوق في الجانب الشرعي، وميزانية الأسرة بين الطرفين. يتلقى المتدربون أيضا، تكوينات في مواضيع الحمل وكيفية تربية الأطفال، ومعلومات جنسية، ومواضيع التغذية الصحية، سواء للمرأة الحامل أو المرضعة. وقالت شوشان “أدرجنا في تكويناتنا الجانب القانوني كمادة علمية للتدعيم”.

نسعى لاستقطاب الذكور أكثر
والجيد في مشروع “لبنة”، فإن المتكونين يحظون بمرافقة المدرِّبات، حتى بعد نهاية فترة التكوين، وقالت “لدينا عدة حالات قمنا بتكوينها ومتابعتها لاحقا في حل مشاكلهم المستقبلية، ومنهم من كانوا يواجهون مشاكل أسرية، وآخرون كانوا في فترة الخطوبة”. وكشفت عن تحقيق “نتائج مُبهرة في هذا المشروع”.
إلى ذلك، تأسفت شوشان، لعدم إقبال الفرد الجزائري على هذا النوع من التكوينات، وهو ما جعل جمعية “حورية” تتوجه نحو الورشات التدريبية القصيرة لمعالجة المشاكل الأسرية، للمساهمة في نشر الوعي حول التأهيل الزواجي.
وأشارت، لتنظيم حوالي 13 دورة تدريبية على مستوى ولايات كل من الجزائر العاصمة، برج بوعريريج، المسيلة، قسنطينة، تيسمسيلت، معسكر، المغير، سطيف.
وخلُصت مديرة مشروع “لبنة”، إلى أن التأهيل الزواجي ضرورة مُلحة، مضيفة “بحكم أنّنا مجتمع مدني، وجمعية نسوية نحتك بالمرأة، فقد توصلنا إلى أن كثيرا من حالات الطلاق بمجتمعنا، أسبابها تافهة، وتعود إلى نقص التأهيل، وهو ما جعلنا نفكر في إطلاق هذا المشروع”.

جعفري: إجبارية التأهيل لحماية الأسرة
ثمّنت رئيسة المرصد الوطني للمرأة، شائعة جعفري، مبادرات تقديم دورات تأهيلية للمقبلين على الزواج، من طرف بعض مراكز التدريب والجمعيات، معتبرة أنها “مبادرات تستحق التشجيع، خاصة إذا أطّرها خبراء ومختصون في علم النفس والاجتماع وحتى أطباء”.
وكشفت عبر “الشروق”، بأنها كانت من بين المنخرطين في مشروع “لبنة للتأهيل الزواجي” الذي أطلقته جمعي “حورية” للمرأة فكرته منذ 3 سنوات، وأيضا سبق لها إطلاق نفس الفكرة في عام 2014، والتي عرضتها على وزارة التضامن والأسرة وقضايا المرأة، لكنها لم تتلق أي ردود فعل إلى حد الآن.
ودعت محدثتنا، إلى جعل شهادة التدريب أو التأهيل على الزواج إجبارية مستقبلا “مثلما جعلت السلطات تحاليل الأمراض المعدية إجبارية قبل الزواج”. وقالت جعفري للمشككين في نجاح مثل هذه التأهيلات “أندونيسيا وماليزيا طبّقتا هذه التدريبات، وحققتا نتائج مُبهرة”.
وأشارت جعفري، إلى أن مؤسّسة الزواج “معقدة وصعبة، خاصة في وقتنا الحالي، وفي ظل توفر مغريات كثيرة، وهو ما يجعل أمر الخضوع لتأهيلات وتدريبات مسبقة وعلي يد مختصين، أكثر من ضروري حاليا”.

قسول: التكوين يكشف كفاءة الأزواج
رحب إمام مسجد القدس بحيدرة، جلول قسول، بمبادرة تأهيل وتدريب المقبلين على الزواج، مؤكدا أن الأئمة “كثيرا ما دعوا إليها، لأن كل فكرة أو توجيه أو نصح يساعد على تنشئة أسرة سليمة نشجعه”.
وقال محدثنا “أول لقاء للزوجين يكون مع الإمام، إذ نوجِّه لهما النصح والإرشاد، وكما أن كل الأمور المعقدة تحتاج تأهيلا مسبقا سواء للمعلم أو المهندس أو الطبيب، فمن باب أولى تأهيل الزوجين”. ليتأسف لظاهرة التبذير في الأعراس، موجها نصيحة للشباب قائلا “بدل الإنفاق على الأعراس ببذخ، وجِّهوا هذه الأموال إلى التأهيل والتدريب على الزواج في مراكز مختصة تحت رعاية الدولة، كما ندعو إلى وضع شرط وجود شهادة تأهيلية عند إبرام عقود الزواج”.
واعتبر قسول، أن التدريب على الزواج، وفي حال أصبح رسميا، فإنه يقطع الطريق أمام الزوج غير الكفء “كثيرا ما سمعنا عن رجل يحمل أمراضا خطيرة يتحايل أهله ويزوِّجونه للتخلص منه، أو امرأة مريضة نفسيا وعقليا يتم تزويجها، وبالتكوين والتأهيل والتوجيه، نكتشف مثل هذا التحايل، ونساهم في خفض معدلات الطلاق والخُلع” على حدّ قوله.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!