-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الجزائر في باريس والموضوع مكافحة المخدرات

بشير مصيطفى
  • 4484
  • 3
الجزائر في باريس والموضوع مكافحة المخدرات

شاركت الجزائر أول أمس الثلاثاء في اجتماع دولي كبير عقد بباريس الفرنسية في موضوع “مكافحة المخدرات العابرة للمحيط الأطلنطي”. وشارك في الاجتماع 55 وفدا دوليا من كل القارات، في سبيل إعداد أرضية عمل توضع بين يدي قادة مجموعة الثماني في اجتماعهم القادم أواخر شهر ماي الجاري بفرنسا.

  • وكشف تقرير صدر عن الأمم المتحدة في نوفمبر من العام 2010 أن توسع حجم سوق الكوكايين -وهو النوع المفضل للاستهلاك من المخدرات- قد طال الدول الصناعية بشكل خاص، حتى أصبحت بريطانيا أول دولة في العالم استهلاكا لهذه المادة السامة بحجم قدره ربع مليون مستهلك، ومع ذلك تعول الدول الكبرى على دول الجنوب والدول الفقيرة في تطوير استراتيجية دولية لمكافحة المخدرات، دون أن تقدم هي شيئا ذا بال في سبيل تطوير أسواق العمل وتحسين مؤشرات التنمية في تلك الدول.
  • فماذا يعني أن تبحث مجموعة الثماني موضوع المخدرات في هذا الظرف بالذات؟ وماذا يعني للعالم أن تكون الجزائر طرفا في ذلك؟
  • سوق جديدة اسمها المخدرات
  • قال تقرير سابق للأمم المتحدة بأن حجم سوق المخدرات في العالم تجاوز 360 مليار دولار كرقم أعمال، و200 مليون شخص كمستهلكين، ما يعني قطاعا تجاريا مهما يتفوق على كثير من القطاعات. وهناك دول كاملة تعيش على تجارة المخدرات بشكل كبير، مثل المكسيك وأفغانستان ودول أخرى توصف بالفقيرة والمهمشة دوليا، ولكن الاستهلاك الأوسع تمثله الدول الصناعية ذاتها بسبب مستوى المعيشة وأسعار الكوكايين التي تجاوزت 100 دولار للغرام الواحد.
  • وتعد الدول الفقيرة ساحة مفضلة لإنتاج أصناف المخدرات، على وقع ضعف الرقابة وتحالف بعض الحكومات مع مافيا “الجريمة المنظمة” بسبب الفساد، ولكن في دولة مثل الجزائر التي تجرم تشريعاتها زراعة وتحويل وتجارة المخدرات والتي تتمتع بمؤسسة كاملة لمكافحة هذا النوع من التجارة “الديوان الوطني لمكافحة المخدرات” أصبحت الأمور أكثر تعقيدا بسبب تحول البلاد من منطقة عبور الى منطقة انتاج، وتوسع شريحة المتعاطين للقنب الهندي لتشمل 200 ألف مستهلك، إضافة الى تحول هذه التجارة الى ساحة لممارسة الارهاب من باب التمويل المنظم، أي ساحة لتبييض الأموال والجريمة المنظمة، وهذا الأمر الأخير هو الذي دفع بصانعي السياسات في العالم الى اعتبار الجزائر لاعبا استراتيجيا في ميدان مكافحة المخدرات في افريقيا ومنطقة الساحل وجنوب الصحراء وليس التداعيات على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للدولة.
  • الملف الشائك
  • قال أحد الشباب الجزائريين في ربورتاج بالتلفزيون بث مؤخرا إن منحه طاولة للتجارة أخرجه من عالم المخدرات، وهو الوجه المحلي للمشكلة، والذي يختلف جذريا عن الوجه الخارجي. فمجموعة الثماني الكبار ترى في سوق الكوكايين الداعم المالي الرئيس للارهاب من جانبين اثنين: توفير المال اللازم للتسلح وإيجاد شبكات جديدة للإسناد أبطالها هذه المرة تجار المخدرات الذين يملكون شبكات ممتدة وواسعة في العالم، وهي بذلك لا تفكر خارج استراتيجية “مكافحة الارهاب” عن طريق ايجاد قنوات قانونية دولية أسوة بقانون مكافحة الارهاب، ولذا يكون من السهل على صانعي القرار الدولي التخلي عن مكافحة المخدرات بالشكل الحالي في اللحظة التاريخية التي يتأكد فيها الجميع من اختفاء الارهاب في حين يشكل الأمر موضوعا مختلفا تماما لدول محددة مثل الجزائر.
  • حقيقة، تحرم الثقافة في الجزائر تجارة المخدرات، ويجرم الدين استهلاكها، ولكن الضغوط الاجتماعية في مجالي التشغيل والسكن تدفع بشريحة متصاعدة من الشباب نحو أية مهنة تدر ربحا أو تجر منفعة أو تنسي هموما، ولو كانت ممنوعة، شأن السرقة والانحراف والتهريب وتبييض المال لفائدة شبكات الجريمة المنظمة. وأكثر من ذلك تستغل تلك الشبكات الفراغ القانوني فيما له بالجريمة كي تحقق أرباحا إضافية، ومن ذلك عدم تجريم القصر عندما يكون سنهم أقل أو يساوي 18 سنة.
  • لماذا لا تدعو الدول الكبرى ومنها دول مجموعة الثماني الى إعادة النظر في السن القانونية للتجريم في الدول الأخرى ومنها الجزائر؟ أليس من العدل أن يقاس الجرم بحجمه وليس بسن مرتكبه؟ وماذا يعني أن يبرأ القضاء مرتكبي الجرائم الكبيرة ومنها تجارة المخدرات على اعتبار السن في حين تسجل العمليات الأمنية تنامي ظاهرة الجريمة المنظمة وسط مجتمع القاصرين؟
  • بين الأمن والقانون
  • نعيش في الجزائر مفارقة بين روح الأمن وروح القانون، وكثيرا ما يصطدم قرار رجل القضاء بقرار رجل الأمن عندما يتعلق بجرائم يرتكبها شباب عمرهم أقل من 18 عاما، الشيء الذي فتح الباب واسعا أمام الجريمة في الأحياء والبلديات حتى صار الأمر حرفة بين يدي كبار المجرمين. وفي حقل تجارة المخدرات نفسه اتخذ الموضوع بعدا اجتماعيا لا علاقة له بالارهاب، بل بفشل المنظومة التربوية في ركنها الاتصالي، والدليل على ذلك هو تحول ثانويات ومتوسطات بأكملها الى ساحات لتعاطي المخدرات في أوساط الشباب القصر وبحماية من القانون نفسه. أما عن البعد الاقتصادي فيكفي أن مجال الربح يتعدى الانتاج والتوزيع الى الوساطة والنقل، ويكفي أن نتصفح ملفات الأمن ومكافحة المخدرات لنعرف حجم الربح الذي يحققه جميع أطراف هذا النوع من التجارة دون استثناء.
  • ربما يكون من الأجدى أمميا أن تفكر الدول الكبرى في فتح أسواقها أمام المنتجات الطيبة من مزارع ومعامل ومدارس الجنوب قبل أن تفتحها مجبرة أمام المخدرات تحت ضغط الطلب الداخلي في تلك الدول، وربما كان من محاسن القدر أن يتزامن اجتماع مكافحة المخدرات في باريس باجتماع أممي على قدر كبير من الأهمية هو “الندوة الرابعة للأمم الأقل نموا” في اسطمبول التركية، ولو أن الفرق شاسع بين الندوتين: الأولى تستخدم الجنوب لتحقيق الأمن الاستراتيجي لدول الشمال، أما الثانية فتحاول الاستثمار في مساعدات الشمال لتحقيق الأمن الاقتصادي لدول الجنوب. فهل يتفق الاجتماعان على خريطة طريق واحدة، أم أن الأمر سيؤول -كما تعودنا من الشمال الغني- الى مفترق طرق؟
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • عبد الله بلعلياء

    انا طالب في السنة الرابعة في المدرسة الوطنية العليا للاحصاء والاقتصاد التطبيقي
    ارجو من الاستاذ بشير مصيطفى ان يعطينا تاريخ تنزيل مؤلفه الجديد : حريق الجسد
    .... بحثت عنه في بعض المكتبات المتواجدة في العاصمة ولم احصل علية ..... فالرجاء تبليغنا بطريقة الحصول عليه سواء بالاقتناء او بتحميله من الانترنت ....بارك الله فيك شكرا

  • احمد

    يجب ان تبقى الشعوب مخدرة حتى لا تنغص الحكام حياتهم

  • أميرة

    المشكل أننا انتقلنا الى مرحلة الإنتاج.من منطقة عبور الى منطقة استهلاك فمنطقة انتاج.