-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
ما لا يقال

الجمعة، الفايسبوك والجزيرة

الجمعة، الفايسبوك والجزيرة

يقسم جاك غولدستون الثورات إلى ثورات جذرية وهي الثورة الفرنسية والصينية والكوبية والإيرانية وأخرى ملونة مثل الثورة التشيكية والصربية والأوكرانية والفيليبينية والجورجية. ويقحم ما حدث في تونس ومصر في الصنف الثاني من الثورات. وهذا الرأي للباحث الأمريكي لا يعكس واقع الثورات في العالم، بقدر ما يعكس رؤية الغرب لما يجري في الوطن العربي ومحاولة إلحاقه بما جرى في الغرب.

  • الثورة، تغيير النظام أو إسقاطه
  • ارتبط تاريخ الثورات في العالم بمقاومة المحتل الأجنبي، والجزائر هي الدولة الوحيدة التي بقي فيها الاحتلال الأجنبي 132 سنة، والثورة الجزائرية هي النموذج الأوحد الذي دام سبع سنوات، بعد سلسلة من المقاومة والانتفاضات الشعبية. أهمية النموذج الجزائري تكمن في اختلاق الأعراق والدين والثقافة واللغة بين السكان الأصليين والمعمرين الأجانب، وهذا النموذج كان يفترض أن يسبقه تحرر الهنود الحمر في أمريكا وأن يأتي بعده تحرر الفلسطينيين من المعمرين اليهود والاستيطان الصهيوني، وكانت التجربة في جنوب إفريقيا هي القضاء على “الابرتهايد” وليس إخراج المعمرين كما حدث في الجزائر.
  • أما النموذج الثاني من الثورات فيتمثل في تغيير نظام الحكم من ملكي إلى جمهوري أو إسلامي أو مسيحي أو أي شكل من أشكال الحكم. فالثورة الفرنسية هي تغيير نظام الحكم من ملكي إلى جمهوري، والثورة الإيرانية هي تغيير نظام الحكم من ملكي إلى جمهوري إسلامي، وهو ما حدث بالنسبة لمصر وليبيا وغيرهما من الأقطار العربية قبل ميلاد الثورات الشعبية العام الماضي.
  • وما يسمى بالثورات الملونة هو انتقال من نظام اشتراكي إلى نظام ليبيرالي أو من تبعية إلى تبعية أخرى. ومثل هذه الثورات قد تكون داخل النظام نفسه، فالانقلاب الأبيض الذي أطاح بالشيخ خليفة بن حمد آل ثاني (والد الأمير الحالي) كان نموذجا لإحداث تغييرات جوهرية في الخليج العربي، فقد أدخل إلى النظام الأميري فكرة الانتخابات البلدية ومجلس الشورى والدستور.
  • والحقيقة التي لا تقال هي أن هناك تداخلا بين الإصلاح والتغيير وبين الثورات على الأجنبي مثل الثورة الجزائرية والثورات على النظام مثل الثورة الخمينية، وبين التغيير من داخل النظام والتغيير من خارجه.
  • ما حدث في الكويت والأردن والبحرين والمغرب هو تمكين التيارات السياسية من التعبير داخل البرلمان وليس تقاسما للسلطة أو المشاركة فيها، وأصدق قول على مثل هذه الأنظمة هو ما قاله نحناح محفوظ “نحن في الحكومة ولسنا في الحكم”.
  • أن نسمي ما ورد على لسان الرئيس بوتفليقة إصلاحا فهذا عين الصواب، أما أن نسميه “جمهورية ثانية” أو تغييرا في نظام الحكم فهذا لعمري استحقاق بالعقل الجزائري.
  • ما حدث في تونس يؤكد حقيقة هي أن الرئيس التونسي أشرف من حسني مبارك، لأنه فضل الهروب على التخلي عن الحكم، وما حدث في مصر وهو تخلي مبارك عن الحكم هو أشرف مما سيحدث في اليمن، لأن الرئيس اليمني يريد نقل “التغيير السلمي” للشعب إلى التغيير المسلح على الطريقة الليبية، ومع ذلك فإن الرئيس اليمني حتى الآن يبقى أشرف من الزعيم الليبي الذي انتقم من مصراتة لأنها قاومت انقلابه على النظام الملكي، ويريد أن ينتقم من الشعب الليبي الذي اكتشف الوجه الآخر لمعمر القذافي، وهو “الوجه الدموي”.
  • الثالوث المحرّم والثالوث المحرّر!
  • شكّلت السياسة والجنس والدين ثالوثا محرما في “الفكر النظامي العربي” بحيث عشنا أكثر من 60 سنة تحت قبة “المرجعية السياسية للحزب الحاكم” أو “المرجعية الدينية للنظام الحاكم”، وأنشأنا (جيلا جديدا) يفكر بأعضائه “التناسلية” ولا يحكم العقل في بناء الدولة. وكان من الطبيعي أن تحدث ثورة في تونس وأخرى في مصر لتصبح هناك علاقة جديدة بين المشرق العربي والمغرب العربي.
  • استطاعت “الجمعة” في تونس ومصر أن تؤرّخ لرحيل رئيسين عاثا في البلاد فسادا، فحملت الكثير من التسميات، حتى أن الرئيس اليمني لم يجد مخرجا سوى إطلاق صفة لـ “جمعة” الموالين له. وإذا قدر الله أن يكون يوم الجمعة هو يوم رحيله، فإن الشعوب العربية ستجد في “جمعة الرحيل” قوتها الميدانية، وفشل الليبيين في الوصول إلى جمعة رحيل القذافي هو أن كتائبه هدمت المساجد ودمرت الساحات العمومية وشردت السكان.
  • أما في الجزائر فإن أصحاب “السبت” لا يدركون أنه يوم مقدس عند اليهود، وهو عطلة اللوبي اليهودي في البنوك  الدولية. ولا يستطيع أحد أن يجعله بديلا عن الجمعة المقدسة.
  • بعض الأنظمة العربية بدأت تعمل على إصدار فتوى بـ (تحريم صلاة الجمعة) في الساحة العمومية أو منعها على الطريقة الجزائرية.
  • إن أول رئيس يمس بسمعة المرأة العربية هو الرئيس اليمني، وأول زعيم تهتك قواته عرض المرأة العربية هو معمر القذافي. وإذا كان الإثنان يراهنان على الحرب الأهلية وتقسيم الدولة فهذا حلم لا يتحقق في اليمن أو ليبيا. وإذا كان كلاهما يريد المزيد من الدماء، فإن محاكمتهما ستكون عبرة للبقية 
  • والجمعة تمثل الفضاء الميداني الآمن للتواصل بين المواطنين والمشاركة في التغيير، والديمقراطية تقاس بالحوار الذي يجري بين أفراد المجتمع في الساحات العمومية.
  • وإذا كانت “الجمعة” هي الحيّز المكاني الذي يجدد دم الثوار ويعطي الثورة مرجعيتها الحقيقية، فإن الفضاء الافتراضي (الفايسبوك) هو الذي يمكن هذه الثورة من تبادل المعلومات بين أفرادها، وتسويق مقاومتها للعنف إلى باقي أقطار العالم، ولهذا فإن الأنظمة العربية حريصة على حجب الإنترنت أثناء المظاهرات والمسيرات ومنع التصوير حتى تخفي جرائمها في حق شعوبها، فقد قامت المؤسسات الجامعية الأمريكية بدراسة عن دور المجتمع المدني في ثورتي تونس ومصر وأهمية المواقع الاجتماعية في التغيير، وتبين أن دعم المجتمع المدني وتطوير الاتصالات يحقق الديمقراطية المنشودة في المجتمعات العربية.
  • وقامت دول أوروبية بدراسات حول مصادر الأخبار في القنوات الدولية فتبين أنها “شهود عيان” و”المواقع الاجتماعية” مما أعطى الانطباع بتراجع دور المراسلين والصحفيين في الميدان.
  • إن الفضل في إنجاح الثورتين التونسية والمصرية يبقى مرهونا بشباب البلدين، لكن المساهمة في الثورة يعود إلى المجتمع المدني والفايسبوك ويوم الجمعة .
  • إن مفردات التكنولوجيات الحديثة صارت شعارات في الثورة السورية (رصيدك نفد، الرجاء عدم المحاولة مرة ثانية). وتطابقت مفردات الجريمة لدى الأنظمة ما بين البلطجة والقناصة والشبيحة.
  • وغياب المجتمع المدني والإنترنت في ليبيا أطال في عمر معمر القذافي، لأن “الجمعة” تحتاج إلى ذلك التواصل المفقود فيها. ولا يمكن فصل “الجمعة” والصفات الملحقة بها عن دور الفايسبوك في التواصل بين الثوار الشبان، وقد تحولت “الجمعة” من مضمونها الديني إلى إضفاء مضمون جديد عليها، وتحول الفايسبوك من فضاء افتراضي شباني إلى منبر للتواصل السياسي والمعلوماتي وكشف جرائم النظام القائم.
  • يبقى السؤال: كيف يتم تأكيد هذا التواصل بين “الجمعة” و”الفايسبوك”؟
  • تجسد قناة “الجزيرة” واجهة الثورات العربية، فهي كما يقول مذيعها محمد كريشان (الحزب السياسي الأكثر شعبية في العالم العربي)، وهي كما يقول مفيد الزيدي في كتابه (قناة الجزيرة) تمثل “كسر المحرمات في الفضاء الإعلامي العربي”، وهي بمثابة “صداع” لحكام قطر.
  • لا توجد دولة عربية واحدة لا تخيفها “الجزيرة” بالرغم من أن مراسليها هم من مواطني تلك الدول، حتى أمريكا وإسرائيل وفرنسا ودول أوروبية أخرى احتجت على ما تسميه انحياز “الجزيرة” إلى التيار الإسلامي المتطرف. ومنذ أن بدأت “الجزيرة” بثها والأقطار العربية وأمريكا وأوروبا تبحث عن منافس لها، فالسعودية أنشأت أكثر من محطتين لمنافستها، وأمريكا أنشأت “قناة الحرة” بأخواتها العراقية والأوروبية، وروسيا أنشأت قناتها. والذي لم يدركه من يعتبرون عدو العرب هو “الجزيرة” وليس إسرائيل هو أن تفوق الجزيرة يعود الفضل فيه أولا إلى المهنية، وثانيا إلى تعدد جنسيات العاملين فيها من العرب، وثالثا إلى أنها حطمت الطابوهات، وأعطت الحرية لمعدي برامجها، وتواصلت مع الرأي والرأي الآخر.
  • وها هي قد صارت “قناة الثورات العربية”. ومرشحة لأن تكون المصدر الوحيد الذي تثق فيه الشعوب العربية. لا تستطيع أية ثورة أن تحقق نجاحا ما لم ترافقها الجزيرة ويكون فضاؤها الافتراضي هو الفايسبوك ويومها الميداني هو الجمعة.
  • فهل تستطيع الثورات القادمة أن تستغني عن الجمعة والفايسبوك والجزيرة؟
  • للحديث بقية
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
17
  • محمد

    الفايسبوك بين الفكرة والثورة
    www.egoconcepts.com/channels/cyberwar/113-facebook-reolution.html

  • علي

    مقال رصين ...

  • سمية

    ياسيدي أنا لا أتفق معك تماما في ما قلت فأنا لا أعرف من الثورات إلا الجزائر و لا أرى فيما يحصل الآن ثورات بل هي أزمات و طفرات لشعوب أنهكها غبار الصمت لا غير أنا لا أثق حتى فيها، لا أنسى ما قاله الثوار في الجزائر و المرتزقة لا لسبب سوى رفضها التدخل في الشأن الليبي و كذا لا تنسى أنهم أدخلوا الأجانب إلى بلادهم أما الجزيرة التي تغرد لها فقد شهد شاهد من أهلها. أعد معلوماتك و رتبها جيدا يا سيدي

  • صالح

    يا دكتور، ما قولك في صورة بثتها قناة الجزيرة البارحة، يظهر فيها رجل في وضعية الرمي منبطحا خلف كومة صغيرة من الرمل لا تكاد تخفي رأسه، وهو يرمي نيرانا غزيرة برشاشه في اتجاه اليمين، يرمي تارة ويختفي تارة أخرى، وهنا في قمة الهضبة تظهر مجموعة من المسلحين مع سياراتهم لا يدرون ماذا يجري حولهم، أهذه هي الحرب أهؤلاء هم المحاربون؟ حلل هذه الصورة، لأنك متخصص في هذا الميدان ثم أخبر القراء الكرام ماذا اكتشفت؟ بكل صدق وموضوعية.

  • مبروك

    كم انت سخي مع الجزيرة يا دكتور اتطمح الى كرسي المحلل هناك قرب المذيع الا تعلم ان الجزيرة هي تلك الكعكة التي صنعها لنا الغرب بأيدي عربية والتي نأكل منها الان وبشراهة وكلما أكلنا زادات حدة الثورات وزاد تدمير أوطاننا إقرأ الاحداث جيدا

  • rida

    مقال رائع- وبغض النظر عن مواقفنا الشخصية- ولكن للأسف أغلب الردود لا ترقى إلى مستوى التحليل العلمي، وأعتقد الكثير ممن علق على الموضوع، خصوصا رقم1و2و3و11 كلامهم سطحي جدا ينبئ عن نظرة عامية لا ترقى إلى مستوى الفكر المتحرر من التبعية وبالتالي فهي تعكس صورة من صور الأنبطاح والإنسلاخ والإجتياح و../..

  • ريان

    للاسف يا استاذي العزيز جانبت الصواب قذفي ما يخص قطر والجزيرة تحديداا اراك تهيم عشقا في الجزيرة و اخر تدخل لك على النشرة المغاربية خير دليل نحن ك شباب ايضا نعتبرك من وجوه عليها الرحيل من واقعنا ولا تتكلم باسم الشباب ولا الشعب فقط تكلم باسمك

  • صالح

    كل شيء نسبي ، الحقيقة المطلقة لا توجد . وكذالك الحياد المطلق لقناة إعلامية ، أكانت عربية أو أجنبية ، لا يمكن تحقيقه أو تصديقه . براعة أهل قطر انهم استغلوا و استفادوا ، بالدجة الأولى ، من التجربة الطويلة الناجحة لمذيعين عرب في bbc ، بعد ذالك فإن الجزيرة فتحت الباب لكل الكفاءات من كل الأقطار لتستفيد من خبرتهم وليس لتزيين الشاشة بهم والتسبيح بالحكام البشر . ثم فتحت كثيرا من الأبواب التي ظلت مغلقة وممنوعة على المشاهد العربي .اللبيب هو من يقطف من كل بسان زهرة . خذ الحكمة ولو من أفواه المجانين .

  • عبده

    مقالك رائع وطرحك دائما في المستوى .

  • aminwalid

    مقالاتك يااستاذ عبدالعالي كالبلسم حين يوضع على الجرح.

  • رضا بن عمر

    شكرا وبارك الله فيك ننتظر مقالاتك بفارغ الصبر أستاذ.

  • فيصل

    سلام عليكم
    ان كلامك يا دكتور فيك كثير من الصحة والصواب لكن لا اتفق معك حول نقطة الجزيرة وادعائها المهنية والحرية نعم نعم كانت مهنية واحترافية في وقت سبق لكن الان يا اخي مع تتبع الاحداث في زمانها ومكانها تنبعث منها رائحة الخبث و ""التيهودية"" وهي تطبق مخطط صهيوأمريكي لتفكيك الدول العربية الى دويلات تماشيا مع المثل الغربي فرّق تسد

  • mohamed

    ما شاء الله عليك يا دكتور عبد العالى انها حقا مقالة رائعة وانا اهنئك كثيرا عليها واوجه كلمة الى الشعب الجزائرى الشقيق نحن حقا نعتذر لكم على ماحدث وارجوكم سامحونا

  • يوسف

    شكرا

  • علي الدهماني

    يتعرض القاري العربي الى نوع من غسل الدماغ من جراء قوة التاثير الاعلامي الذي أحدثته العولمة من جهة ومن جهة اخرى اعتماد الزيف والكذب مصدراللأخباروالاعلام في كثير من الاحيان وتبلغ المصيبة مداها عندما تصل الأمور الى مستوى النخب التقافية والسياسية والاعلامية ،ان الاعلام في عمق مهمته هو نقل الاخبار بصدق وله بعد ذلك ان يشترك مع القراءالذين ينبغي ان يحترمهم في التحليل وان يكون التبين من صحة وصدق الاخبار والتحليل من مسئولية الكاتب عندما نطبق ذلك على ماتتعرض ليبيا والقدافي نجد العجب العجاب ...

  • هيثم محمود

    المتابع لما حدث بتونس ومصر وما يحدث الآن بليبيا وسوريا والأردن والجزائر واليمن يتأكد بأن هناك أيادي خارجية تهدف لزعزعه الأمن وتمزيق البلدان العربية وعلى كل الشعوب العربية ان تصحوا من الغفلة ويقومون بواجبهم في الحفاظ على امن أوطانهم والثورات التي حدثت ببعض البلدان العربية ستكشف الأيام بأنهم قسوا على أوطانهم في يوم من الأيام والتاريخ سيسجل لتقرءا الأجيال والأجيال القادمة ما حدث في أوطانهم.

  • kamel

    جانبت الصواب كثيرا يا استاذ بخصوص الجزيرة وقطر، الدول العربية التي تحدثت عنها لا يخيفها هذا البوق المنطلق من تلك الدولة المجهرية المدعوة قطر وانما من وراء قطر ومن وراء الجزيرة وهلم جر.
    لم ينقلب هذا الثخين على ابيه بسبب احلال الديمقراطية والدستور والانتخابات كما تفضلت وانما لجلب القواعد العسكرية الامريكية "عيديد" ولتطبيع العلاقات مع الكيان الغاصب وفرض ذلك على جميع الشعوب العربية والاسلامية من خلال هذه الجزيرة مثيرة الفتن والقلاقل وذلك الشيخ المسمى القرضاوي شيخ القاعدة الامريكية في قطر .