الشروق العربي
غير هاديك اللي ما تدخلش داري

 الجملة التي غيرت مصائر ودمرت عائلات

فاروق كداش
  • 2853
  • 6
ح.م

“غير بنت زوليخة اللي ما تدخلش داري” جملة مقتبسة من مسلسل “أولاد الحلال”، تبدو لنا من الوهلة الأولى أنها عفوية تصدر في لحظة غضب، ولكنها تختصر حالة اجتماعية تمر بها الكثير من العائلات الجزائرية، وتتسبب في ضرر نفسي كبير، وتنتهي بمآس لا يشعر بها إلا من اكتوى بنارها. الشروق العربي تروي قصص هؤلاء المظلومين الذين أخذوا بجرة كلمة.

نعرف جميعا أن هذه الجملة عادة ما تجري على لسان الأمهات، اللواتي في غمرة اللاوعي يعاندن زواج أبنائهن من بنات لا يوافقن أهواءهن، وقد يكون هذا الرفض لأسباب سطحية كالجمال والمستوى المعيشي أو بسبب كليشيهات المسلسلات.. شاب يحب فتاة من عائلة معادية لعائلته، أو من ابنة عمه، التي استولى والدها على ميراث أخيه، أو من فتاة أجنبية غير مسلمة… ونتفق جميعا على أن المبرر الوحيد لترديد تلك الجملة أن تكون الفتاة سيئة الأخلاق أو ذات سلوك مشين، وهاهنا نفتح قوسين عن معايير الأخلاق والسلوك التي تضعها الأم أو العائلة للحكم على هذه الفتاة.

عِبارات وعَبَرات

إيمان، من ضحايا هذه الجملة المريرة، فقد كانت مخطوبة لشاب محترم، أحبته بمرور الأيام، غير أن أمه لم تكن راضية عن هذه الخطوبة، وكانت تختلق الأعذار وتتحجج بالمرض، كي لا تزور عائلتها في أيام المهيبة وغيرها من المناسبات. واكتشفت عن طريق الواشيات وسليطات اللسان أن أمه كانت ترفضها، لأنها سمراء البشرة ولم يكن بوسعها الاعتراض، لأن ابنها فرض عليها الخطوبة، وكانت دائما تصيح في غياب ابنها: ‪”غير هاديك… اللي ماتدخلش داري”. من القصص الحزينة، قصة هدى مجهولة النسب، التي أحبت شابا رأت فيه كل معايير الرجولة والنخوة، خاصة أنه تفهم حالتها، ومع تقدم الأيام توطدت علاقتهما، فقرر أن يقدمها لعائلته.. وهنا كانت الصدمة، فقد كان هذان الوالدان على علم بوضعها، وبدل الإشفاق على حالها قالت له والدته إنها ترفض هذا الزواج، فرد عليها ابنها: “حرام عليك يا أمي، أنت امرأة واعية ومثقفة”، فثارت ثائرة الوالد فصاح في وجهه: “هكذا تهدر مع يماك على جال وحدة ملقطة.. اسمع مليح واش راح نقولك: غير هذي لي متدخلش لداري”. وهاهي الجملة اللعينة تسمع من جديد… انتهت قصة حب هدى وآمالها في بناء عائلة، بعد أن انفطر قلبها إلى ألف قطعة، وحكمت عليها محكمة الحياة بالتعاسة المؤبدة.

 كثيرة هي قصص الحب ومشاريع الزواج التي تنتهي بمجرد أن تلفظ هذه العبارة، التي تحمل كما هائلا من الكره والحقد، وقد تكون الأسباب وجيهة للتلفظ بها، لكن حينما تقال تكسر القلوب وتتأجج الأحقاد…

 من قلب العائلة، سنحكي قصة السيدة نسيمة، التي بعد أن عانت الأمرين من أجل تربية ابنها الوحيد، انتهى بها المطاف إلى أن تسمع هذه الجملة من زوجة ابنها، التي خيرت زوجها بينها وبين والدته، ولكن بعد تردده أدركت السيدة نسيمة أن ابنها انصاع واستكان لجبروت زوجته… “غير يماك اللي ما تدخلش داري”، هي كلمات نفذت إلى فؤاد الأم كسهم مسموم، ولم يتبق لها سوى الدعاء لابنها والدعاء على زوجته… بعد سنتين بالتحديد، طلق ابنها زوجته بالثلاث… وعاد إلى أحضان أمه ملتمسا الغفران والصفح منها.

شهادات على عتبة الباب

قصة أخرى من وحي الواقع، روتها لنا السيدة خديجة، الأخت الكبرى لأربعة أخوة، هي أيضا ربت وكبرت بعد وفاة الوالدين، وبعد أن أكملت مهمتها بتزويج كل إخوتها، طمع أصغرهم في منزل العائلة، وطلب من أخته أن تبيعه وتقسم المال على الورثة، لأنه يحتاج المال لتكوين مشروع صغير، ولكنها رفضت أن تبيع بيتا فيه رائحة والدها وعبق والدتها، وفيه عاشت أحلى الذكريات الحلوة والمرة… وانفض المجلس وحسبت السيدة خديجة أن كل شيء عاد إلى نصابه، فبادرت بزيارة أخيها في بيته. وحين طرقت الباب سمعت وشوشة من الداخل وارتفع الصوت شيئا فشيئا، لتسمع أخاها يقول لزوجته: لا تفتحي لها البيت… غير هاذيك اللي ماتدخلش لداري”. وكانت زوجته تتوسل إليه أن يعدل عن هذا القرار المشين… ولكنه صرخ في وجهها… وعادت السيدة خديجة أدراجها، وقد خاب ظنها في هذا الأخ العاق، الذي نسي أنها ضحت بأمور كثيرة مثل الزواج والأمومة ليكوّن هو بيتا، وهاهو يريد أن يهدم السقف الذي بقي لها في هذه الدنيا.

في الأخير، لا يسعنا إلا أن نستجدي مشاعر الناس كي لا يجرحوا مشاعر ناس مثلهم… ارفضوا كما تشاؤون، ولكن باحترام وبرقي كل الإنسانية وحِلْم كل البشرية.. لأن الكلمات التي تقولونها اليوم ستقال لكم غدا.

مقالات ذات صلة