الرأي

الجنرال “فايسبوك” هزمنا جميعا!

من المفروض أن تقدم السيد نورية بن غبريط، استقالتها فورا، بعد المهزلة التي حدثت في الموعد الوحيد، الذي مازال بعض الجزائريين يحترمونه، ويتحدثون عنه ببعض القدسية، وهو امتحان شهادة البكالوريا.

فبالرغم من إقحام الحكومة بكل أجهزتها، لأجل منع تسريب الأسئلة، وتجنيد الدولة بمالها ورجالها، إلا أن الجنرال “فايسبوك” أسقط الجميع بالضربة القاضية، فزجّ بالبعض منهم في غياهب قفص المتهمين بانعدام الكفاءة، وجرّ آخرين إلى تحويل هذا الامتحان إلى شبة سوق شعبي، تباع فيه أسئلة جهد سنوات من العمر، كما تباع الألبسة المستعمَلة، وسقط تحت نير سطوة “الفايسبوك” الآلاف من الطلبة والأولياء، فصاروا يقضون أوقاتهم في البحث عن إشارات، لسؤال محتمل أن يصادفهم في الامتحان، الذي من المفروض أن يُكرّم فيه من جدّ، ويُهان من كسَل، أكثر مما يقضونه في التحصيل العلمي الذي صنع -قبل هبوب العواصف “الإلكترونية” و”الغبريطية”- مدرسة احترمها الأجانب، بدليل الرقم المهول الذي تفضّل به الدكتور محمد بن خروف رئيس الرابطة الدولية للكفاءات الجزائرية، الذي أحصى ربع مليون إطار كفء جزائري يصنعون ربيع الجامعات والمخابر والمصانع الغربية، وهو رقم صادم، لأنه يبيّن مدى لامبالاة أو ربما تورّط المسؤولين في تهجير الكفاءات، ومُفرح في نفس الوقت، لأنه فسحة أمل في إمكانية العودة إلى صُنع مدرسة وجامعة، لا تقلان شأنا عمّا يُبهرنا هناك ونضرب به الأمثال.

الذين قالوا بأن “الفايسبوك” هزم السيدة نورية بن غبريط لم يخطئوا، ولكنهم قالوا جزءا من الحقيقة لأن “الفايسبوك” هزمنا جميعا، وعندما يرفع الطالب ووليّه والأستاذ وبقية أفراد المجتمع الراية البيضاء أمام الجنرال “فايسبوك”، فكيف للسيدة بن غبريط أن لا تتلون بالوشاح الأبيض “الاستسلامي”، على نحو لسان حال بعض عجائز الجزائر في العهد الاستعماري..”مْسلّمِين مكتفين”، فقد كان “التسريب” و”التجاوزات”، منذ عهد السيد أبو بكر بن بوزيد يتدفق بين شرايين كبار القوم، وفي بعض المناطق، في السرّ والكتمان، ولكن زمن “الفايسبوك” حوّل هذا المرض إلى وباء أصاب الجميع، ونسف آخر القلاع “التعليمية والتربوية” المحترَمة في الجزائر، وسيكون من الصعب بعد مهزلة البكالوريا الأخيرة، أن نرفع قبعتنا للناجحين، وحتى للمتفوِّقين الذي سينزلون ضيوفا على رئاسة الجمهورية، فقد يكون المتفوِّق من الذين شربوا من خرير “التسريب”.

الجزائريون صاروا يأخذون وصفاتهم الطبية من “الفايسبوك”، وفتاويهم الدينية ورُقيتهم من “الفايسبوك”، ويختارون أصدقاءهم وشركاء حياتهم وأطعمتهم وديكور منازلهم ونكتهم و”مذاهبهم” مما يتهاطل عليهم من عالم افتراضي، لا يمثل في الدول المتقدمة أكثر من اسمه، وهو وسيلة تواصل فقط، فكيف لا يُقحمون هذا الامتحان الذي عمره خمسة أيام، في سنة كاملة ضاعت بين أدغال “الفايسبوك”؟

لقد تميزت السيدة نورية بن غبريط عن بقية وزراء التربية والتعليم الذين بنوا إمبراطورياتهم بعيدا عن التواصل مع الشعب، بكونها الوحيدة التي كان لها صفحة تواصل يزورها شعبٌ يزيد عدد أفراده عن الممتحَنين في البكالوريا وأوليائهم، وسيكون من اللائق الآن أن تواصل تواصلها مع الناس عبر استقالة على “الفايسبوك”، بعد أن قضت عهدتها رهينة في خيوط عنكبوتية، فقضى عليها وعلى المدرسة الجزائرية.

مقالات ذات صلة