الرأي

الجنسية وبن زيمة في الانتخابات الفرنسية

المتتبع للشأن السياسي وللأداء الإعلامي الفرنسي في الفترة الأخيرة، يتأكد فعلا بأن هذا البلد الذي كان إلى وقت قريب “كبيرا جدا”، قد فقد الكثير من هيبته، إلى درجة أن حكاية شغب لاعب كرة قدم من أصول جزائرية، صارت شغله الشاغل، والأدهى والأمرّ الطريق الوحيد إلى بلوغ قصر الإليزيه، وقيادة بلد كانت لا تغرب عنه الشمس مثل المملكة المتحدة.

وإذا كان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قد أشار في لحظة “صحوة ضمير سياسي” إلى طاقمه الوزاري بأن يكفّوا عن الحديث عن لاعب كرة، يمارس اللهو، على بعد بضعة أشهر من دخول فرنسا جدّ الانتخابات الرئاسية، فإن أداءه السياسي الأخير، عبر سفريات طاقمه إلى الجزائر والحديث عن مزدوجي الجنسية، فيه الكثير من رائحة الانتخابات الرئاسية، التي تزكم أنوف الفرنسيين الطويلة مثل شاعرهم الكبير “سيرانو دي بيرجراك” وتزكم أيضا أنوف بعض الجزائريين القصيرة، التي يبدو أنها نست رائحة “الشياط” القادمة من الشمال، التي لا تكاد تخمد أبدا.

ولأن بعض الجزائريين في القمة وفي القاعدة أيضا، يحملون مظلاتهم كلما أمطرت في فرنسا على طريقة تجربة “بافلوف”، فمن حقنا أن نخشى على إصابتهم بالعدوى، بالرغم من قناعتنا بأنهم لن يصابوا، بل سيطلبون المرض ويرحبون به كما رحبوا دائما بكل ما يأتي من فرنسا، ولعل المشهد السياسي البائس الذي عشناه نهار أمس، في الجزائر، بين معارضة لم تقدم شيئا لأجل أن تقنع نفسها بعملها، قبل أن تقنع الآخرين، ومولاة لا أحد فهم أداءها في الماضي والحاضر فما بالك بالمستقبل، دليل على أن “الأنفلونزا السياسية في فرنسا” قد بلغت ساسة الجزائر، بدليل أن مواقع التواصل الاجتماعي في فرنسا وفي الجزائر، صارت تنقل كل نكاتها وطرفاتها من المشهد السياسي في البلدين.

وإذا كان ما يحدث في الجزائر هو نتيجة لعقود من اللاشيء السياسي، فغاب النظام وغابت المعارضة، فإن الفرنسيين فعلا وصلوا إلى مرحلة سياسية متعفنة، من خلال ركوب الانتخابات، بعيدا عن البرامج السياسية والاقتصادية كما يحدث في الدول الغربية، وكما كان يحدث في فرنسا سابقا، وإنما من خلال دغدغة المشاعر بقصص من المفروض أن لا تنشر في الصحف، عن ابتزاز صديق لصديقه، وكسب لاعب كرة لطائرة خاصة، وحكاية ازدواجية الجنسية وما شابه ذلك، حتى صار يخيّل لمتتبع الأداء السياسي في فرنسا بأنه بصدد قراءة صحيفة صفراء، غالبية مواضيعها من نسج الخيال لأجل إثارة بعض القراء لبعض الوقت وليس كل القراء لكل الوقت.

وستكون سنوات صفراء بالنسبة للفرنسيين، وشاحبة جدا بالنسبة للذين يتبعونهم في كل المجالات، حتى إذا دخلوا الجحر لحقوا بهم، إذا تواصل المشهد السياسي الفرنسي بنفس السيناريو، الذي صار بطله الرئيسي “كريم” وبطله الثانوي “بن زيمة”، والمتفرج فرنسي تأخر عن بقية الدول الغربية، وجزائري “في الهمّ غرب”؟

مقالات ذات صلة