الشروق العربي
منشاريات

الجنوب الجزائري أكبر من الصراصير والعقارب

حسان زهار
  • 5414
  • 22

الأحداث التي تعرفها مؤخرا منطقة الجنوب الجزائري، منذ جنازة الراحل أحمد بن شريف في الجلفة، وإلغاء حفل غنائي في ورقلة، تظهر أن هذه المنطقة العزيزة من بلادنا، ليست مكبا للنفايات البشرية كما يتوهم بعض الحمقى، لكنها أكبر من الصراصير والعقارب، فهي ارض بطولة وأنفة وشرف، وهي العمق الحقيقي الضارب في عمق التاريخ للجزائر ذات الامتداد العربي الاسلامي العريق.
هذا الوعي الذي يتنامى ضمن هذا الفضاء الصحراوي المبهر، هو خلفية جميلة لانبعاث وطن طالما أريد له أن يموت بالجهل والتخلف، فالأرض الطيبة التي تختزن أرضها البترول والغاز، وتكتنز في جوفها كل مخزونات الغنى والثروة، من حق أهلها أن ينعموا بحياة كريمة، مثلهم مثل باقي أبناء الوطن، فتكون لأبنائهم الحق في العمل في سوناطراك، والحق في العلاج المجاني داخل مستشفيات متخصصة، وأن تكون لديهم الكهرباء كحق انساني لمواجهة الحرارة .
غير أن انكار البعض ممن امتلكوا الحق الالهي في الاستحواذ على كل شيء، على أهالي الجنوب حقهم في الحياة الكريمة، بعيدا عن مهرجانات الفن الهابط، تظهر أن الجهوية والقبلية والعروشية ، ما تزال للأسف تحكم الكثير من العقليات المتحجرة حتى داخل الأوساط التي تدعي الثقافة، وهو الأمر الذي يزيد في حدة التوترات الاثنية والمناطقية، ولا تخدم فكرة الوطن الواحد، وربما زادت من حدة زرع النعرات الانفصالية لدى بعض ضعاف النفوس .
لقد ظل التعامل مع الحركات الاحتجاجية في مناطق أخرى من الجزائر، وخاصة في منطقة القبائل تحديدا، تأخذ طابعا انتقائيا صرفا، حيث يتم ترويج وتصوير اي حراك سياسي او اجتماعي على أنه شرعي وضمن دائرة المطالب الديمقراطية والحريات، لكن ما إن تتحرك مناطق أخرى وإن باستحياء، وبطرق سلمية حضارية، من دون تكسير ولا تخريب، حتى يتم اتهامها مباشرة بالتخلف والرجعية، والسبب على ما يبدو أن أهلنا في الجنوب، يغيضون بعض القوى العلمانية المتنفذة، عندما يرفضون حفلا ماجنا بإقامة صلاة الجماعة في الساحة العامة.. ويصرون على ممارسة الاحتجاج دون أن يتخلوا عن أصالتهم.
لقد ظل الجنوب الجزائري، على شساعة أراضيه، بعيدا عن المشاركة الحقيقية في صناعة القرار، وفي اقتسام السلطة والثروة، ومع ذلك لم تظهر فيه نوازع التطرف أو العنصرية أو الانفصال، كما عرفتها مناطق أخرى أخذت من خيرات الوطن فوق حقها، ولذلك وجب أن يكون أهل الشمال جميعا عونا لأهل الجنوب في كل ما يطلبونه، لأنهم في النهاية منا ومعنا، ويوم تنتفي هذه الجهوية من الحسابات الضيقة، ربما أدركنا إلى أي حد كانت مناطق شاسعة من الجزائر ضحية التاريخ وضحية الجغرافيا، ومع ذلك صمدت وصبرت في سبيل أن تبقى الجزائر واحدة موحدة ولو كره الحاقدون.

مقالات ذات صلة