الجزائر
الضحية قرّر رفع دعوى قضائية ضد الشركة

الجوية الجزائرية تطرد عالم فيزياء من الطائرة بسبب العربية‮!‬

الشروق أونلاين
  • 63222
  • 0
مراد غرمول
البروفيسور جمال ضو خلال مشاركته في ندوة الشروق

عاد من جامعة الرياض بالمملكة العربية السعودية،‮ ‬بعدما طاف لسنوات على الجامعات الفرنسية والإيطالية والأميركية،‮ ‬باحثا في‮ ‬حقل الفيزياء النظرية،‮ ‬لكنه قرّر في‮ ‬نهاية المطاف أن‮ ‬يضع معارفه الدقيقة،‮ ‬وخبراته التعليمية في‮ ‬خدمة بلاده،‮ ‬فاختار مسقط رأسه،‮ ‬لينتسب إلى جامعة وادي‮ ‬سوف،‮ ‬حيث عيّن سريعا رئيسا لمجلسها العلمي‮ ‬بحكم سيرته العالمية،‮ ‬إنه البروفيسور جمال ضو‮.‬

كان الباحث الجزائري‮ ‬الذي‮ ‬سجّل اسمه في‮ ‬الخارج بأحرف من ذهب،‮ ‬يعلم أنّ‮ ‬بعض بني‮ ‬جلدته‮ ‬يعانون من عقدة معاداة اللغة العربية،‮ ‬ومركّب النقص تجاه الإنجليزية،‮ ‬لكن لم‮ ‬يخطر على باله إطلاقا،‮ ‬أن تكلّفه الحرقة على لغته الأمّ‮ ‬في‮ ‬وطنه،‮ ‬الطرد من طائرة تابعة للخطوط الجزائرية‮!.‬

نعم هذا ما وقع بالضبط،‮ ‬حيث كان من المفترض أن‮ ‬يعود الرجل نهاية الأسبوع من الجزائر إلى الوادي،‮ ‬عند الساعة‮ ‬10‭:‬15،‮ ‬على متن الرحلة رقم‮ ‬6252،‮ ‬حيث صعد الدكتور جمال ضو الطائرة،‮ ‬لكن وبعد لحظات جاءته المضيفة،‮ ‬وبلغة فرنسية محضة،‮ ‬طلبت منه أن‮ ‬يغيّر مكانه،‮ ‬فما كان منه سوى الموافقة‮.‬

المشكلة لم تتوقف هنا،‮ ‬بل بدأت المأساة المهينة لعالم فيزياء لم تشفع له مرتبته العلمية والاجتماعية،‮ ‬حينما أقدم على تنبيه المضيفة لاستعمالها الفرنسية فقط،‮ ‬لأنها لم تنطق كلمة واحدة بالعربية أو الدارجة في‮ ‬حديثها مع المسافرين،‮ ‬فأخذ قصاصة قصيرة،‮ ‬وكتب عليها بالانجليزية الفقرة التالية‮:‬‭ “‬ليس لك الحق أن تكلميني‮ ‬بالفرنسية،‮ ‬فهذه ليست لغتي‮…‬يمكنك أن تحديثي‮ ‬بالعربية أو الإنجليزية‮… ‬عليك الاختيار‮”‬،‮ ‬وقد تعمّد توجيهها عبر الرسالة الورقية تفاديا لإحراجها أمام الركّاب‮.‬

أخذت المضيفة الورقة إلى قمرة القيادة،‮ ‬ليخرج قائد الطائرة بعد لحظات،‮ ‬ثم في‮ ‬حوالي‮ ‬عشر دقائق،‮ ‬جاء شرطيان‮ ‬يطلبان من البروفيسور ضو النزول ليتحدثوا إليه،‮ ‬فردّ‮ ‬عليهما‮: ‬لماذا لا نتحدث هنا،‮ ‬فأصرّا على هبوطه لإتمام الكلام،‮ ‬حينها قرّر النزول إلى الأسفل،‮ ‬ليسألاه عن حقيبته،‮ ‬وبعد أخذ وردّ‮ ‬بين الطرفين،‮ ‬انزعج الدكتور ضو من التصرف معه،‮ ‬على أساس أنه لم‮ ‬يرتكب أي‮ ‬مخالفة،‮ ‬فصعد مرّة ثانية للطائرة،‮ ‬وقتها لحق به ثلاثة من أفراد الشرطة وأجبروه على المغادرة مجددا،‮ ‬بعدما هدّدوه بتحرير محضر عدم الامتثال،‮ ‬وأبلغوه أنهم‮ ‬ينفذون أوامر‮ ‬يجب تنفيذها‮!.‬

وعند أسفل الطائرة،‮ ‬التقى بقائدها الذي‮ ‬قال له حرفيا‮ “‬أنه‮ ‬يرفض أن‮ ‬يقود الطائرة وهو فيها،‮ ‬لأنه‮ ‬يشكّل خطرا على سلامتها‮”‬،‮ ‬وعلّق عناصر الشرطة أنّ‮ ‬قائد الطائرة سيد قراره وهو حر،‮ ‬فردّ‮ ‬عليهم الضحية،‮ ‬أنّ‮ ‬الطائرة ليست طائرته بل طائرة كل الجزائريين،‮ ‬ورغم محاولة الشرطة لمدة قاربت‮ ‬20‮ ‬دقيقة،‮ ‬حلّ‮ ‬المسألة وديّا،‮ ‬فقد أصرّ‮ ‬قائد الطائرة على موقفه،‮ ‬لتحلّق من دونه بعدما تأخرت كثيرا عن موعد الإقلاع المحدّد‮.‬

بعد ذلك،‮ ‬اصطحبت الشرطة الباحث الفيزيائي‮ ‬إلى مقرها،‮ ‬وتم تحرير محضر إعلام،‮ ‬محتفظة بالورقة التي‮ ‬سلّمها للمضيفة،‮ ‬ووجّهته لاسترجاع التذكرة،‮ ‬لأنه لا توجد قضية أصلا،‮ ‬بدليل أنّ‮ ‬طاقم الطائرة رفض‮  ‬تقديم شكوى لوكيل الجمهورية،‮ ‬لإدراكهم عدم امتلاك أي‮ ‬قرينة إدانة في‮ ‬حق المسافر المحروم من الصعود بسبب الدفاع عن اللغة العربية‮!.‬

وهكذا منعت شركة الشعب‮ “‬الجوية الجزائرية‮”‬،‮ ‬مواطنا جزائريا برتبة عالم فيزياء من ركوب طائرتها،‮ ‬لأنه تجرّأ فسمح لنفسه بالغيرة على اللغة الوطنية،‮ ‬مع أنه‮ ‬يتقن العديد من اللغات الأجنبية،‮ ‬أهمها الانجليزية والإيطالية والفرنسية،‮ ‬ويعرف أساسيات اللغة العبرية،‮ ‬لكنه ازداد تشبثا بانتمائه حينما انفتح على العالم الآخر عبر قاراته الخمس‮.‬

وقد أثّرت هذه الواقعة الغريبة في‮ ‬نفسية الباحث الجزائري،‮ ‬والتي‮ ‬لم‮ ‬يعرف لها مثيلا في‮ ‬حياته،‮ ‬وهو الذي‮ ‬تنقل عبر مطارات العالم،‮ ‬فقرّر رفع دعوى قضائية عاجلة ضد مسؤولي‮ ‬الشركة،‮ ‬مثلما توعّد بمتابعة القضية على كافة المستويات،‮ ‬ليس للدفاع عن حقوقه المعنوية فقط،‮ ‬بل للذود عن لغة الشعب التي‮ ‬أضحت مدنّسا‮ ‬غير مصان،‮ ‬ينتهك حرمتها كل من هبّ‮ ‬ودبّ،‮ ‬غير آبه بالردع والمنع،‮  ‬طالما أن قانون تعميم استعمالها معطل من دون قرار رسمي،‮ ‬ومسؤولو الدولة‮ ‬يتنافسون في‮ ‬إظهار الولاء للغة المستعمر القديم‮!.  ‬

 

هذا ما قاله الدكتور جمال ضو في‮ ‬ندوة‮ “‬الشروق‮”‬

ألقى الدكتور والباحث جمال ضو،‮ ‬أستاذ الفيزياء النظرية في‮ ‬جامعة الوادي،‮ ‬المهتم بشؤون التربية واللغات مداخلة له في‮ ‬ندوة‮ “‬الشروق‮” ‬التي‮ ‬نظمتها الثلاثاء الفارط،‮ ‬حول‮ “‬واقع اللغة العربية في‮ ‬المدرسة الجزائرية‮” ‬التي‮ ‬دعا فيها الفرانكفونيين إلى نزع قميص عقدة اللغة الفرنسية لأجل الأجيال القادمة،‮ ‬ورافع الدكتور من أجل اعتماد اللغة الإنجليزية لغة أجنبية أولى في‮ ‬المنظومة التربوية الجزائرية،‮ ‬كونها أضحت مسيطرة على التكنولوجيا والاقتصاد والنقاشات السياسية،‮ ‬في‮ ‬كل المؤتمرات العالمية‮.‬

وتحدث الباحث جمال ضو،‮ ‬بتفاصيل دقيقة ومقنعة عن واقع اللغات في‮ ‬الجزائر،‮ ‬مؤكدا أن الإنجليزية باتت مطلبا شبابيا لا‮ ‬يمكن تجاوزه،‮ ‬مشيرا إلى أننا نعيش‮  ‬فوضى لغوية،‮ ‬وانعدام سياسة محكمة حول تعلم اللغات الأجنبية،‮ ‬في‮ ‬ظل احتلال اللغة الفرنسية موقعها كلغة أصلية بحجة تاريخية استعمارية‮.‬

ويرى جمال ضو،‮ ‬أننا نعيش في‮ ‬الجزائر‮ “‬إرهابا لغويا حقيقيا‮”‬،‮ ‬وأن أبسط مثال على ذلك،‮ ‬هو فرض اللغة الفرنسية علينا من خلال فاتورة الماء والكهرباء والوثائق الإدارية،‮ ‬قبل أن‮ ‬يعقّب‮ “‬حان الوقت لنحتكم إلى العقل،‮ ‬نحن نعيش تجاذبا بين العواطف والبعد التاريخي‮ ‬ومستقبل الأجيال‮”‬،‮ ‬مؤكدا أنه وقف على حقائق مؤسفة في‮ ‬المؤتمرات العالمية التي‮ ‬يحضرها مثقفون وسياسيون وممثلون للمجتمع المدني‮ ‬من الجزائريين،‮ ‬أين‮ ‬يصطدمون بـ”الإنجليزية‮” ‬فينفردون في‮ ‬إحدى الزوايا باحثين عن من‮ ‬يتحدث الفرنسية أو عن الفرنسيين أنفسهم‮!‬

وبلغة الأرقام أثبت الباحث العالمي‮ ‬جمال ضو،‮ ‬أن تكريس الفرنسية في‮ ‬المدارس لا‮ ‬يتماشى مع تطور العالم،‮ ‬وأن كل الباحثين الجزائريين اصطدموا بالإنجليزية في‮ ‬مرحلة ما بعد التدرج،‮ ‬مشيرا إلى أن الكتب العالمية والبحوث تحتاج إلى عقود لكي‮ ‬تترجم من الإنجليزية إلى لغات أخرى‮.‬

وتساءل ذات المتحدث عن تعمد انتهاج اللغة الفرنسية في‮ ‬كل جوانب الحياة،‮ ‬خاصة من طرف المسؤولين في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬استوعب فيه المواطن الجزائري‮ ‬البسيط أنها لم تعد لغة العصر والتكنولوجيا،‮ ‬وخلص النقاش بينه وبين عدد من نقابات التربية،‮ ‬إلى أن الفرنسية تعدت اللغة وباتت قضية ثقافية ومرضا نفسيا نقله‮ “‬الحركى‮” ‬والعاملون لدى”الكولون‮” ‬وحتى بعض المجاهدين أنفسهم‮.‬

مقالات ذات صلة