الشروق العربي
شمل حتى الجنس الآخر

الحاجة الى المال وراء ظهور عارضات الأزياء في الجزائر

نسيبة علال
  • 3488
  • 6
ح.م

أتين من أحياء شعبية، ومدن داخلية، ويجتمعن بالعاصمة والمدن الكبرى، غايتهن الشهرة وجمع المال بأقصر الطرق وأبسطها.. إنها الحقيقة التي يتقاسمها السواد الأعظم من عارضات الأزياء في الجزائر، والكثير من الحقائق الأخرى توصلنا إليها بسهولة بمجرد تسليط الضوء على هذه الشريحة، التي يتسع عددها سريعا ويتزايد ليشمل حتى الجنس الآخر.

انتشرت مهنة عرض الأزياء في الجزائر بشكل واسع، خلال عشر السنوات الأخيرة، بعد أن كان ممتهنوها يعدون على الأصابع، فتحرر مجال تصميم الأزياء وتوسعه، وكذا اعتماد شركات كثيرة للإنتاج السمعي البصري، ومؤسسات تنظيم الأحداث، التي كسرت الاحتكار، وحتى تغير القوانين وتحرر المرأة الجزائرية والسماح لها بممارسة حريات أكثر بمقتضى التشريعات، كلها عوامل ساهمت في دفع قطاع الاستعراض، واستقطابه لرواد جدد، غالبيتهن من الفتيات الجامعيات اللواتي يقمن بالإقامات الجامعية في العاصمة والمدن الكبرى، ولهن متسع من الوقت للعمل خارج أوقات الدراسة، ومساحة حريات أكبر بعيدا عن ضغوط العائلة والمحيط.

طالبات جامعيات في حاجة إلى المال

حاولنا التقرب من بعضهن لمعرفة ظروف التحاقهن بهذه المهنة بالذات، لماذا اخترنها وما سبب استمرارهن فيها، فكانت بعض الإجابات صادمة، إذ تروي بسمة، الملقبة بـ”الروجية”، أي الفتاة الشقراء، 26 سنة، قادمة من ولاية قسنطينة: “دخلت عرض الأزياء عام 2014 صدفة، عندما كنت طالبة بكلية الحقوق ببن عكنون، اكتشفت زميلتي أنني في حاجة إلى تغطية مصاريف دراستي، وبعدي عن المنزل، فاقترحت عليّ أن أستغل جمالي ورشاقتي في مهنة مربحة”. في البداية، كان الأمر صعبا جدا لدى فتاة محافظة في العشرين من العمر، ولم تكن الفكرة واضحة أمامها، تقول بسمة: “فاتحتني صديقتي مجددا في موضوع العمل، وأخبرتني أنه بإمكاني العمل كمضيفة في حدث مهم تنظمه شركة إنتاج تابعة لخالها.. جربت، ووجدت نفسي أجني خلال ساعات عمل قليلة، ما يعادل منحتي الدراسية التي انتظرها لثلاثة أشهر..” واستمر الأمر ببسمة على هذه الحال حتى وجدت نفسها تستعرض الأزياء في أسابيع الموضة العالمية، وتسافر خارج الوطن للعمل، ولا تفكر أبدا في العمل في مجال تخصصها.

مطلقات وأمهات غير شرعيات

ميدان عرض الأزياء، كالميادين الأخرى، يضم فئات اجتماعية كثيرة ومختلفة، لكنه على غرار بعض المهن القليلة جدا، يحتوي الكثير من الحالات الاجتماعية التي أوصدت في وجهها أبواب الرزق، إذ إن عددا لا بأس به من عارضات الأزياء في الجزائر هن ضحايا الطلاق، أو ضحايا ذئاب بشرية، ولحسن حظهن أنهن يتمتعن بالقوام الرشيق والجمال المناسب، لممارسة المهنة.. تقول “ت. ي”، 31 سنة، عارضة أزياء ووجه إعلاني شهير، روج للعديد من المنتجات الوطنية في الومضات الإشهارية: “كان عمري 24 سنة عندما تعرضت للطلاق، وأنا أم جديدة، فضلت البقاء في العاصمة، وعدم العودة إلى بيتي العائلي بتيزي وزو، حتى إني لم أطلعهم على طلاقي إلا مع مرور الوقت، طرقت كل الأبواب.. شهورا طويلة وأنا أتوسل أصحاب الشركات والمكاتب، لكن لا أحد يود توظيف فتاة مطلقة، أم لرضيعة، بمستوى التاسعة متوسط..” قرأت “ت. ي” إعلانا معلقا بمحطة الحافلات للبحث عن وجه إعلاني، تقول: “… فبدأت رحلتي مع العمل، لم أكن أملك حتى ملابس تسمح لي بالظهور أمام الكاميرات، أما اليوم فتمكنت من كراء منزل محترم، وشراء سيارة صغيرة لتقلني إلى عملي..”.

أما ريم من وهران، وهي مدونة تظهر باسم مستعار على الشبكة، وتمارس عرض الأزياء منذ أربع سنوات، هي أم غير شرعية، طردت من منزلها العائلي بعد تعرضها للاغتصاب، فتوجهت إلى العمل نادلة بإحدى قاعات الشاي التابعة لفندق، تقول: “شاءت الصدف أن ألتقي بمنتج يبحث عن ممثلات ثانويات، فانضممت إليه سريعا، وواصلت العمل معه كعارضة.. هذه المهنة جيدة، إنها لا تحتاج إلى مستوى دراسي عال، فأنا لا أملكه، وليست مجهدة جدا، في المقابل هي مربحة وتسمح بجمع المال..”.

رغم أن مجال عرض الأزياء يعج بهذه الحالات لأنه المجال الأيسر إن صح القول، الذي لا يزال عشوائيا وغير مضبوط، إلا أنه يحتوي كذلك فتيات متعلمات ومثقفات، يتمتعن بقدر من الأخلاق، والمركز الاجتماعي المرموق، ولا يشكل لهن عرض الأزياء، سوى هواية وعشق للاستعراض والظهور أمام الكاميرات.

مقالات ذات صلة