الجزائر
مغامرون يروون تجاربهم مع الهجرة السرية ويوجهون رسالتهم للسلطات

“الحراقة”.. عندما يتفوق الموت في سبيل الأمل على الحياة مع اليأس

الشروق أونلاين
  • 2137
  • 4
ح.م

بشير، عبد الحفيظ، مصطفى وآخرون… نماذج حية لتجارب مع رحلات حرقة خاضها شباب اختار الهجرة غير الشرعية في عديد المحاولات، ومن هؤلاء من نجا من الموت لأكثر من مرة، ومنهم من فشل لسابع محاولة في الوصول إلى الضفة الأخرى ولأقدار يعتبرها البعض سوء حظ، فيما يراها آخرون عكس ذلك، ولكل واحد منطقه الخاص في الحكم على الأشياء وفهم منطق الأقدار والصدف…

الشبان الذي التقينا بهم وتحدثنا إليهم عن هذه الظاهرة أرجعوا كلهم الدوافع التي أرغمت الحراقة أو حفزتهم على المغامرة بأرواحهم في قوارب الموت من أجل الوصول إلى الضفة الأخرى من المتوسط تتعلق بالبطالة، الحقرة والظروف الاجتماعية القاهرة التي يحيونها في بلادهم، لاسيما عندما تجتمع كافة هذه العوامل عند أشخاص يحوزون على شهادات مهنية وعلمية، حيث لا يجد هؤلاء أنفسهم في ظل هذه الظروف سوى الهروب إلى ما وراء البحر بحثا عن جنة أوروبا الموعودة أو التي تبدو لهم كذلك بدلا من البقاء بين مخالب البطالة، والآفات الاجتماعية التي لا ترحم، كالمخدرات والكحول وغيرهما.

ويروي بشير، أحد الحراقة، كيف حاول لـ07 مرات ركوب ـ البوطي ـ رفقة آخرين في رحلات قال أنها كلها منيت بالفشل، فيما كان قد نجا من موت محقق وبأعجوبة في أغلب تلك المحاولات، كان آخرها حين توقف محرك القارب الذي كانوا على متنه في عرض البحر، ولولا زورق لحراقة آخرين كانوا بالقرب منهم، لهلك جميعهم، وفي المرات التي تمكن فيها من الوصول إلى الضفة الأخرى، قال أن قدره البائس كان يقوده إلى الحجز ليحول رفقة آخرين إلى بلدانهم، لكنه ـ يضيف ـ أنه رغم ذلك كان يظل مصرا على تكرار التجربة ما دام حاله لم يتحسن وظروفه تتأرجح بين الفقر والبطالة، كونه رب أسرة ليس لها مسكن تستقر فيه، وهو حاليا يبلغ من العمر 27 سنة، وله طفلة في عمرها السابع، وهي الظروف التي قال عنها أنه لم يعد ليتحملها، وعليه ليحاربها بكل الوسائل من أجل أن يؤمن غدا أفضل له ولأسرته الصغيرة، كونه حاصل على شهادتين في الحلاقة والطلاء، لكن تبقى سيرته الذاتية ـ حسب تعبيره ـ مجرد أوراق في عشرات الملفات والطلبات التي أودعها لدى مكاتب التوظيف وبقيت حبيسة الأدراج.

وفي تجربة أخرى تتعلق هذه المرة بالشاب عبد الحفيظ، الذي قال أنه حاول الحرقة لثلاث مرات، منيت كلها بالفشل رغم وصوله إلى الضفة الأخرى، حيث يروي كيف بات معلقا هو ورفاقه بين السماء والماء، ينتظر دعوات الوالدة للنجاة من خطر موت مؤكد في إحدى رحلاته التي أقر من خلالها بصعوبة الأمر، لكنه رغم ذلك يصر على أن الحرقة كانت بالنسبة له آخر الحلول بعد نفاد صبره وانسداد كل أبواب التوظيف في وجهه، كونه حاصل على شهادات في عدة تخصصات، منها سائق آليات، أما مصطفى الذي حاول مرة واحدة الهجرة السرية وباءت بالفشل عند أول إقلاع لها من الشاطئ، فإنه يسعى جاهدا لتكرار المحاولة، كونه يبلغ من العمر 25 سنة وحاصل على دبلوم في الطبخ، لكنه لم يعمل ولو ليوم واحد في حياته بهذه الحرفة، متسائلا عن مصيره المجهول بالقول: “متى أعمل، ومتى أكوّن أسرة وأنجب إبني مستقبلي؟”.

مغاربة “يحرقون” من الجزائر بـ3000 أورو

وفي حديثنا مع هؤلاء الشبان حول تكاليف الهجرة، فقد صرحوا بأنها تكلف حاليا مبلغ 50 مليون سنتيم تدفع لمنظمي الهجرة السرية، وقد يستغرق وقت الانتظار ليحين دور زبون هذه الجماعات أكثر من شهرين، فيما يتوافد مغاربة على السواحل الجزائرية، ويدفعون ما قيمته 3000 أورو مقابل الحرقة، فيما يشير آخرون إلى أن رحلات الموت قد أصبحت في الآونة الأخيرة خطرة للغاية أكثر من أي وقت مضى، وهذا بسبب التقلبات الجوية المفاجئة وكذا تشديد الرقابة والتضييق على قوارب مهربي البشر وهذا النوع من الرحلات التي ينتهي أغلبها بالفشل أو يتم توقيفها من طرف حراس السواحل بالضفتين، أو قد يكون مصير المغامرين فيها الموت في عرض البحر، وكم من الأصدقاء من كانوا معهم وهلكوا ولم يظهر لهم أثر، ومن ذلك ما حدث قبل أسبوع فقط، عندما غامر أحد أبناء حيهم، ولم يظهر له أثر إلى اليوم.

من جهتها، أفادت جمعية الدفاع عن حقوق الانسان على لسان رئيس مكتبها الولائي خديم عز الدين، أن هذه المنظمة تحمل مشروعا لامتصاص الظاهرة ودمج الشباب في العمل، مشيرا إلى أن عدد الملفات التي وصلت إلى المكتب يقدر بأكثر من 400 ملف، فيما تحاول الجمعية في كل مرة دمج مجموعة منهم في سوق العمل عن طريق التعامل مع مكاتب التشغيل ومديرية التضامن، وهي تسعى إلى نقل أفكارها للمسؤولين المحليين. وقد نظمت الجمعية لقاء استمعت فيه لانشغالات الحراقة وذويهم، وكان الهدف منه تبليغ رسائلهم إلى الجهات المعنية، إضافة إلى قيامها بتحسيس هؤلاء من أجل العدول عن الحرقة، وذلك بواسطة أخصائيين اجتماعيين وأساتذة لعل الرسالة تصل والظاهرة تنتهي.

ع.ع.ح

مقالات ذات صلة