الرأي
قراءات مع الدكتور فاضل السامرّائي

الحلقة الحادية والعشرون: المبني للمجهول(6)

لمباركية نوّار
  • 207
  • 0

قال تعالى في سياق الآية الأولى: ((وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ)). (التوبة: 86). وقال في سياق الآية الثانية: ((إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِين)) (التوبة: 93- 96).

فأنت ترى أن الآخرين أشد ضلالا وكفرا من الأولين، يدلك على ذلك ما ذكره من صفاتهم وأحوالهم؛ فإنه لم يذكر في الأولين سوى أنهم يستأذنون الرسول إذا أنزلت سورة تأمر بالإيمان والجهاد، وأنهم يقولون: (ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ)”التوبة” وعقّب على ذلك بقوله: (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ)، في حين ذكر من صفات الآخرين ما يدل على شدة كفرهم وضلالهم وغضب الله عليهم ما لم يذكره في الأولين.

فناسب ذلك إسناد الطبع إلى الله للدلالة على شدة تمكن الكفر في نفوسهم وقلوبهم، بخلاف الآية الأخرى.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أنه مما حسّن بناء الفعل للمجهول أيضا في الآية الأولى ما قاله فيها (وإذا أنزلت سورة) ببناء (أُنزل) للمجهول.

فكما أنه لم يسند الإنزال إلى الله تعالى لم يسند الطبع إليه، فكان بناء الفعل للمجهول في الآية الأولى أنسب وبناؤه للمعلوم في الآية الثانية أنسب. والله أعلم.

مقالات ذات صلة