-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الحيّادُ الإيجابي

عمار يزلي
  • 1344
  • 0
الحيّادُ الإيجابي

طالما عبّرت الجزائر عن موقفها الدائم، الداعم للحياد الإيجابي في كل القضايا، إلا قضايا الاعتداء الصارخ على القوانين الدولية والشرعية الشعبية، وأخذت موقفا متزنا من الصراعات الدولية، مفضلة لغة الحوار والدبلوماسية على لغة الحرب والتعدي والقوة.

الحياد الإيجابي، ليس انسحابا من ساحة السياسة الدولية، ولا يعني ذلك الاعتزال وعدم الخوض والتدخل في القضايا والصراعات في العالم، بل يعني موقفا متزنا، إلى تغليب الحوار والدبلوماسية على لغة القوة والتهديد والوعيد ولغة السلاح. الحياد الإيجابي، بهذا المعنى يعني الحياد النشيط، الفاعل، المتفاعل مع القضايا الدولية والإقليمية. وحتى في أحلك الظروف وانسداد آفاق الحلول الدبلوماسية، تفضّل الجزائر، عدم تعكير الجو بينها وبين الأطراف المتنازعة وعدم التدخل مع طرف ضد آخر، تفاديا للاصطفاف، خاصة إذا كان الصراع بين الأشقاء والإخوة والأصدقاء.

كان هذا لافتا في موقف الجزائر من كل القضايا الإقليمية والدولية، بدءا من الأحداث في سورية وليبيا، وموقفها من إيران والعقوبات الأحادية والدولية ضدها، واليمن وتونس وأخيرا موقفها من الأحداث الجارية في أوكرانيا. أما في القضية الفلسطينية، فالأمر يختلف: هناك اعتداءٌ على الشرعية الدولية وهناك اغتصابٌ لحق الشعب الفلسطيني وهناك تقتيلٌ وتهجير وتهويد وضمّ واستيطان وظلم كيان محتل لأرض وشعب يعاني تحت الاحتلال. الموقف كان ولا يزال ثابتا منذ مقولة الراحل هواري بومدين: “نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”، كوننا نعي تماما أنّ فلسطين لم ولن تكون يوما ظالمة، كونها كانت ولا تزال مظلومة، وحتى لو ظلمت، افتراضا، فإننا سنعينها على ألا تكون ظالمة بمنعها من الظلم، كما يشير إلى ذلك الحديث الشريف، وهذا ما تفعله الجزائر مع الفصائل الفلسطينية كافة، وهي تسعى إلى الصلح بين الإخوة والأشقاء وجمعهم على كلمة واحدة، كلمة سواء توحِّدهم وتقوِّي عُضدهم في مواجهة الاحتلال والعدوان ضد الشعب الفلسطيني حيثما كان: في الداخل، في الضفة، في غزة وفي الشتات.

أما مع المغرب، فكان الموقف واضحا من خلال كل ما عبَّرت عنه الدبلوماسية الجزائرية وتصريحات رئيس الجمهورية في هذا الصدد، آخرها، ما قاله لقناة “الجزيرة” قبل أيام بهذا الخصوص وما صرَّح به قبلها لأكثر من وسيلة إعلام غربية وفرنسية: “قطعنا علاقاتنا مع المغرب كآخر حلٍّ تفاديا لأي حل آخر”، أو على حد تعبير الرئيس في حواره الأخير مع الجزيرة “الباب الذي يأتيك منك الريح، أغلقه واسترح”، أي تفاديا لتصعيد الأمر، من الأفضل عندما لا تجد آذانا صاغية للحوار، وتلمس تصعيدا وتآمُرا وعدم اكتراث بجدوى الحوار من جانب الطرف الآخر، فأحسن ما يمكن أن تقوم به أن تسدَّ بابك في وجه “جار السوء” تفاديا لأي نتيجة لا تُحمد عقباها.

موقف الجزائر اليوم من الأحداث العالمية، ينطلق من موقف: “ليس بالضرورة ألا أكون معك، أن أكون ضدك”، والكثير من الدول بما فيها العظمى، بدأت تتفهم موقف الجزائر التاريخي من التكتلات الإقليمية والدولية وتتفهم موقف عدم التدخل في القضايا الداخلية والاصطفاف في القضايا الخلافية: نحن نعمل مع الجميع إلا من أبى، ولا نصطفُّ مع أحد ضد أحد، ومصالحنا أولى، بناء على المصالح المشتركة التي لا تكون فيها المنفعة مشتركة وعلى قدم المساواة، لا فضل لأحد على آخر ولا ابتزاز ولا استغلال ولا ضغط.

من هذا المنطلق يُحضَّر لزيارة الدولة لرئيس الجمهورية لكل من روسيا والصين خلال الأشهر المقبلة، وقد تكون فرنسا الدولة الثالثة، التي تمثل الطرف الثاني في المعادلة الاقتصادية في العالم المتشكِّل من جديد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!