الجزائر
أصحاب "الشكارة" بين خائف من الحسد ومرعوب من المساءلة

الخزانات المصفحة تعزز الإدخار المنزلي وتهزم البنوك الجزائرية!

سمير مخربش
  • 2687
  • 11
ح.م

يفضل العديد من الجزائريين الادخار المنزلي على إيداع الأموال في البنوك التي تضررت جراء هذه الثقافة التي سحبت المال من التداول ورفعت نسبة الادخار المنزلي إلى 31 بالمائة من الأموال التي ظلت ولازالت خارج القنوات المصرفية، أي ما يعادل428 مليار دينار.
فحسب الجولة التي قادتنا إلى حي دبي التجاري بالعلمة، فإن السنوات الأخيرة تعرف إقبالا كبيرا على الخزنة الفولاذية أو ما يعرف بـ”الكوفر” الذي كثر عليه الطلب من أجل تخزين الأموال داخل المنازل، ويؤكد باعة الخزنة أن هذه الأداة تحولت إلى موضة لا يمكن أن يستغني عنه أي تاجر أو مستورد أو مقاول أو صناعي أو رجل أعمال، بل تعتبر من أدوات العمل التي يعتمد عليها أصحاب المال. فهذا الصندوق الحديدي الذي يصنع في الصين أو بعض الدول الأوروبية يصمم عادة بحديد مصفح مضاد للرصاص، يتميز بصلابته وشدته التي تحفظ المال بأمان مع استحالة التكسير بالنسبة للخزنات الأصلية، فهذا الصندوق الذي يفتح باستعمال كلمة السر يراه أصحاب المال أكثر أمنا من البنوك، ويقولون بأن وضع المال في الخزنة يعني الأمان والاطمئنان الذي لا يجده صاحبه في أي مكان آخر، وكلما زاد الحجم والوزن، زاد الاطمئنان.

“كوفر” بحجم غرفة كاملة!

تجدر الإشارة إلى أن هناك من يقوم ببناء غرفة بالإسمنت المسلح داخل منزله لاستغلالها كخزنة تغلق بباب مصفح حتى الذباب لا يمكنه أن يتسلل إليها وتوضع فيها رفوف لجمع مبالغ مالية ضخمة. ومثل هذه الغرف والخزنات هي المكان الآمن الذي لا يحدث فيه أي طارئ ولا خطأ في العمليات البنكية، كما يمكن اقتناء هذا المال في أي لحظة دون الدخول في المتاهات الإدارية وإرغام صاحبه على الانتظار لعدة أيام. كما أن هناك من يملك قناعة تامة بأنه لا يجوز إيداع المال في بنك يتعامل بالربا المحرم شرعا فيفضل التعاملات التقليدية التي ترتكز على الشكارة والكيس الأسود في العمليات التجارية. وهناك من يفضل الاحتفاظ بالمال في البيت للتهرب من الضرائب وخوفا من أي عملية تجميد للحساب البنكي في حالة الدخول في نزاع مع مؤسسات أخرى.
وقد علمنا أن بعض التجار يتجنبون المراسلات البنكية ويفضلون إرسال المال في الشاحنات رفقة البضاعة فيخفونه في أماكن خاصة بالمقطورة ليكون التعامل بالكيس الأسود بعيدا عن لغة الصكوك ووصل التحويل. وفيهم من يبتعد عن البنك خوفا من الكشف عن ثروته وما قد يترتب عن ذلك من متابعات قانونية وجبائية، وضرورة تبرير المداخيل وما قد ينجم عنها من تساؤلات تحت مظلة من أين لك هذا؟ بالرغم من أن هذا السؤال لازال نظريا في بلادنا عكس ما هو معمول به في الدول المتطورة. بينما يتهرب البعض من البنك بكل بساطة خوفا من العين والحسد، لأنه لا يأمن أعوان البنك الذين سيكشفون ثروته في حديث المقاهي وجلسات الأصدقاء. هذه الوضعية أصبحت تهدد البنوك التي تواجه أزمة حقيقية تتعلق بخروج رؤوس أموال عن التداول واختفائها داخل الخزنات والغرف المصفحة في المنازل، حيث يؤكد المختصون أن الجزائريين يدخرون 428 مليار دينار، أي 42800 مليار سنتيم خارج البنوك، وهو مبلغ ضخم أحدث اختلالا في التوازنات المالية ودفع الحكومة إلى تغيير الأوراق النقدية من صنف 1000 دج و500دج لإخراج الأموال المخزنة وتحريك المدخرات المتواجدة خارج البنوك. هذا الإجراء الذي من شأنه أن ينعش القنوات المصرفية ويحرك التبادلات التجارية الراكدة، لكن في انتظار إدراك هذا المبتغى، يبقى الادخار المنزلي ذهنية جزائرية لها جذورها في المجتمع، وتبقى الخزنة المصفحة وغرفة الإسمنت المسلح من المخادع المفضلة لتنويم الأموال.

مقالات ذات صلة