الرأي

الخياطة السياسية

عمار يزلي
  • 2212
  • 2

دخلت على لجنة تعديل الدستور وهم لا يعرفون أني هنا: كنت أراهم “على الهوا”، فيما هم لا يرون مني غير الهواء! كانت الأهواء هي التي تستهوي الخياطين الخمسين. سمعت أحدهم يقول، وكان هو الرئيس، المرؤوس سابقا: نحن نقابة الخياطين، مطلوب منا أن نبقى نقابة مهنية، نخيط لكل رئيس “بذلة” على القياس. هذا “اللبوس”، كما وصفه يوما الملك المغربي الراحل الحسن الثاني عندما فصل هو لبلده قبل وفاته، “جلابة” مغربية قال عنها “لبوسا”، قياسا بفعل النبي داود عليه، لقوله تعالى “وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنهم من بأسكم”!

فهمت، وعرفت أنه من ظاهر القول والفعل، أن حركة الخياطين هذه الأيام قد راجت سياسيا، وفي بلدان الغرب والمشرق، وهذا بعد أن تآكلت حرفتها بفعل أكل الصناعة النسيجية والحرفية الصينية لكل إنتاج محلي على قلته. الخياطة السياسية، يروج لها في كل بلد مع نهاية الربيع العربي وبداية الخريف وعودة “موضة” السابق بعد أن كادت أن تعصف بها موضة الدساتير الجديدة.

نقابة الخياطين، كانت هنا: لا بد من ترقيع وإطالة ونقصان وقص وقطع وحذف وتشذيب وزيادة ونقصان: جيوب في الأسفل، “كول” في الوسط، أزرار على الجانب، لا يهم! الأهم أن يكون القياس على المقاس.

لم أفهم كثيرا ما كانوا يقولون في فن الحياكة السياسية: سمعت كلاما عن الإسلام، والعلمانية والإرهاب، والعنف والمدنية والقانون، والعسكر، والإخوان، ولكني لم أفهم ما دخل هذه الأمور في الخياطة! ولم أبدأ في الفهم إلا من بعد أن أخرج لهم نقيب الخياطين “مانكين” رئاسي يرتدي اللبوس المفصل على المقاس! انفجرت ضاحكا وأنا أرى رئيسا بلاستيكيا يرتدي بذلة مبتذلة كلها رقع، ما تقدم منه ما تأخر! كم قصير وآخر أطول، ورجل سروال تصل الأولى إلى نصف الساق، وأخرى إلى ما تحت الكعبين. جيب في الجنب، وجيم تمام في الوسط. الرجل كان سمينا وبطنه يندفع إلى الأمام وإلى الخلف، كأنه حمل “بأوبسيون إيرباغ” أمامي وخلفي. العجيب أنه لا أحد ضحك، فيما كنت أنا “مفقوع من الضحك”. على العكس، قام نائب نقيب الخياطين بارتدائه، بعد أن جرد الرئيس البلاستيكي من لبوسه وعاد كما لم تلده أمه! فانفجرت ضاحكا أكثر من المرة الأولى، لأفيق من نومي وأنا أضحك كالمجنون.

مقالات ذات صلة