-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الدولة أكبر من الشعارات!

الدولة أكبر من الشعارات!

نَصِفُ الدول الغربية اليوم بالديمقراطية. ونَعتبر تَقدُّمها مِثالا يُحتذى به في الحُرِّيات. ويَتطلع بعضنا للعيش فيها، بل ويُخاطر آخرون بحياتهم من أجل ذلك… وفجأة تبدو لنا هذه الدول على حقيقتها عارية من كل غطاء، عند ما يتعلق الأمر بتحقيق مصالحها وهي تتعامل معنا. يبرز لنا ذلك جليا بلا مساحيق، لنعرف لحظتها أنها ليست ديمقراطية ولا إنسانية بالقدر الذي كُنّا نتصور! وأنها ليست بالضرورة صديقة مُخلِصة للشعوب التواقة للاستقلال الحقيقي وللحرية ولبناء ذاتها الحضارية… لحظتها نُدركِ أن هذه الدول لا تؤمن لا بالديمقراطية ولا بالعدالة ولا بالحرية ولا بحقوق الإنسان، ولا بأي من الشعارات الأخرى التي ترفعها عندما يتعلق الأمر بمصالحها وبمزيد من النهب لِثرواتنا والاستغلال لأبنائنا. ويَتبين لنا بكل وضوح أن كل ذلك الرخاء التي هي فيه اليوم، والذي بات حلم بعضنا، وكل تلك القوة التي تمتلكها إنما هي نتاج استغلال آخرين، واستغلالنا نحن، لعقود طويلة وأحيانا لقرون… فكم هي مُضَلِّلَة تلك الشعارات التي ترفعها عن الحرية والمساوة والعدالة، وكم هي زاهية تلك لألوان التي تُغلِّفُ بها جميع أشكال ظلم وقهر وقتل وتدمير شعوبنا وكل قيم الانسانية السامية حقا…

لذا يبدو أنه علينا اليوم أن نفصل في أنموذج الدولة التي نتطلع إلى بنائها، وفي طبيعتها، والعنوان الذي ينبغي أن تأخذه قبل أي شيء آخر. لا يكفي أن نرفع شعارات الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية دون تأصيلها، دون إدراكها ضمن منظومتنا الحضارية وضمن إطار قيمنا الوطنية التي كثيرا ما يعاديها الغرب ويزدريها، ويصفها بالتخلف والانغلاق والظلامية وعدم مواكبة العصر…

لقد أصبح لزاما علينا اليوم إعادة قراءة وتأكيد ذلك المغزى العميق من عبارة “في إطار المبادئ الإسلامية” التي جاء بها بيان أول نوفمبر، أي أنه علينا فهم واستيعاب كافة قيمنا المعاصرة ضمن هذه المبادئ واعتبار أي طرح خارج هذا الإطار، إنما هو شعارات مصيرها الوقوع في تناقضات معرفية وتاريخية وسياسية غير قابلة للحل.

إننا اليوم أمام خيارين: إما أن تكون مرجعية حركتنا السياسية والثقافية بمختلف مشاربها ذات عمق حضاري ضارب في تاريخنا الوطني ومُدرك بعمق لفهم تراثنا السياسي والفكري المستمَد من خبرة دولنا المتعاقبة طيلة القرون الماضية، أو نَقع ضمن دائرة التناقض التي تفرضه القيم الغربية المريضة التي تسعى للقضاء على قيم شعوبنا تحت غطاء ما يُعرَف بالقيم الإنسانية أو ما يُسمِّيه البعض بالقيم العالمية…

ألا نرى كيف تَرفُض الديمقراطيات الغربية الليبرالية، الدكتاتورية في بلدانها وتدعمها في البلاد الإفريقية والآسيوية وفي أمريكا اللاتينية؟ كيف تستلهم كل قيمها من الخبرة الاغريقية الرومانية الفاوستية، وتسعى لمنع إعادة إحياء هويتنا الوطنية وحضارتنا كما نريد؟ كيف تغار على لغاتها وتطورها في بلادها وتعتبرها حية، وتعمل على قتل لغاتنا وتعتبرها ميتة غير قابلة لأن تتحول إلى العلم والابتكار…؟

ينبغي أن يكون واضحا اليوم إذا أردنا ترشيد العمل السياسي القائم، والتأسيس لعمل مستقبلي بعيد المدى، أن نَخرُجَ من غموض القاعدة الفكرية التي نقف عليها، وأن نزيل تلك الضبابية التي يريد البعض إبقاءنا ضمن دائرتها… وإلا، فإن القوى الغربية ستفرض أنموذجها الثقافي والسياسي فرضا، وهي تعمل على ذلك اليوم سرا وعلنا، بما يخدم مصالحها ويَضمن بقاءها لعقود قادمة.. ولن تَجِدَ أي ضير لأجل تحقيق ذلك، أن يحكمنا الاستبداد أو تُنهَب ثرواتنا، أو يتم التلاعب بشخصيتنا وهويتنا.

وعند هذه النقطة بالذات سيكون الأمر مستعجلا، أو يكون قد فات الأوان..

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • almanzor

    أظن أن ما أدخلنا في هذا الغموض هو السياسة الشيوعية التي انتُهجت بعد الاستقلال، و التي تتناقض تماما مع ثوابت الشعب الجزائري و ثقافته، فمنذ ذلك الحين و نحن نبحث عن أنفسنا، حتى صار بعضنا يبحث له عن هوية عند الفراعنة...

  • لزهر

    آخِرُهاَ تهادوا تحابوا بأموال الشعب و هي مشتقة من شعارات التسعيينيات ولها نفس الوزن التلاعب بأموال ذوي الأحتياجات الخاصة . أشياء خطيرة تظرب في عمق المجتمع ومن المجتمع من ينتظر كراسي متحركة و رعياية صحية.