-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الديمقراطية هل هي عنوان خاطئ؟

الديمقراطية هل هي عنوان خاطئ؟

أحيانا يَنتابني شعور بأن هناك محاولة لإحباط مجتمعاتنا مرة أخرى بعنوان الديمقراطية، كما تم إحباطها بعنوان الاشتراكية غداة استعادة الاستقلال. بعد ثلاثين سنة من رفع شعار “الاشتراكية خيار لا رجعة فيه”، بعد كل تلك القرارات التي تعلقت بالتسيير الذاتي للمستثمرات الفلاحية والتأميم، وأسواق الفلاح، وشركات القطاع العام، والثورة الزراعية والتخطيط المركزي…الخ، انتهى بنا المطاف إلى التراجع عن كل ذلك وكأنه لم يكن، بل وتحميل تلك الحقبة كامل المسؤولية فيما عرفت البلاد من انتكاسات وضعف في كافة المجالات والتنكر لإيجابياتها رغم كثرتها.

وبمجرد أن حدث التحول في العالم الشيوعي والاشتراكي، نتيجة سقوط الاتحاد السوفياتي، ودون أن ننتبه إلا أن أكثر من نصفه متمثلا في الصين لم يسقط، سارعنا نحو التعددية كخيار سياسي، ونحو الانفتاح كخيار اقتصادي، معتقدين أننا عرفنا أخيرا الطريق الصحيح، فإذا بهذه الخيارات توصلنا إلى عنوان خاطئ آخر يُعرَف بمجتمع الفساد، والرشوة والتمايز الطبقي الحاد، ويمنعنا من تجسيد نمط فعّال للتنمية نخرج عبره من دائرة التخلف.

وبدل أن نقوم بمراجعة أنفسنا مراجعة دقيقة، بعد ثلاثين سنة أخرى من التجربة، ونبحث في أفضل السبل التي ستمكننا من تصحيح أخطاء الماضي، الاشتراكي، أو الانفتاحي، يبدو أننا نكاد نسلك الطريق الخطأ للمرة الثالثة عند الاعتقاد بأن الديمقراطية بالطريقة التي ينادي بها الكثير اليوم هي المخرج من كل الشرور وهي الطريق نحو التقدم والازدهار.

أعداد كبيرة من الناس  يناضلون بالفعل من أجل ديمقراطية تعود فيها الكلمة للشعب، يكون سيدا وحرا، ينتخب من يمثله في المؤسسات المختلفة، ويسير ثرواته بطريقة شفافة، في دولة القانون إلى جانب باقي المثل العليا الأخرى المرتبطة بهذا الحلم، كالرّفاه والعدل والأمن… الخ. وتكاد أغلبية من هؤلاء تعتقد أنه بإمكانها ذلك، ومنها من يتصور أنه قاب قوسين أو أدنى منه… في حين أن الحقيقة الصادمة هي خلاف ذلك تماما، وينبغي الاستعداد لها من الآن.

الحقيقة الصادمة أنه حتى في العالم الديمقراطي، الذي يُعَدُّ أنموذجا للبعض ومثالا يُقتدى به، لم تبق الديمقراطية هي ذاتها ولم تعد تقوم على نفس المُثل والغايات التي كانت تقوم عليها قبل نصف قرن من الزمان. الديمقراطية اليوم في الغرب مُتحكَّم فيها من لوبيات المال والإعلام والأقليات القوية، الانتخابات فيها لم تَعد تفرز ممثلين حقيقيين للشعب، والنقاشات في البرلمانات غالبا ما تكون موجهة من قبل أقلية نافذة يُسمّيها سارج لاتوش “الديمقراطية الكاريكاتورية المتلاعب بها من قبل وسائل الإعلام واللوبيات”، ويعتبرها “كولين كراوش” في كتابه “ما بعد الديمقراطية” وسيلة لإيصال ممثلي اللوبيات القوية إلى دوائر الحكم، كما يعتبرها آخرون مرحلة في طور الاضمحلال من التاريخ السياسي للبشرية، (كوفمان في مؤلفه نهاية الديمقراطية ازدهار وانحطاط حضارة “أو هي في مرحلة هيمنة الشعبوية التي يزعم فيها الكثير أنهم ” الشعب” “مارك لازار”… وعشرات أمثالهم، يعتبرون الديمقراطية التي يعتقد الشارع في العالم “غير الديمقراطي” أنها أمله الوحيد، هي في مرحلة أفول وتَبدُّلٍ باتجاه شكل أكثر مرونة لاحتكار السلطة…

ما الذي علينا القيام به أمام هذه الحقيقة؟ كيف نجد لأنفسنا بديلا سياسيا مختلفا ملائما لحقائقنا التاريخية والسوسيولوجية؟ مَن يقوم بذلك؟ يبدو لي أن هذه هي الأسئلة الصحيحة التي ينبغي أن تُطرَح حول مستقبلنا السياسي، قبل أي إصرار آخر على البحث عن الديمقراطية كعنوان بعيدا عن إدراك محتواه… المشكلة هي في هذا المستوى وليست أبدا في الشعارات المرفوعة أو في الإصرار على تجسيدها أو حتى التضحية من أجل ذلك…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • لزهر

    فُوقاعات الديموقراطية الحالية هي الحلول السريعة العشوائية الغير مدروسة و الدعاية الإعلامية بأستعمال مواقع التواصل الإجتماعي مما يضع مصالح و مستقبل الأجيال القادمة في مهب الريح لا مخرج من هذه المتاهات و الخراب إلا بتسطير برامج طويلة المدى في مقدمتها المدرسة و تحسين التعليم و تمرير كل شيء بما فيها السلطة و الحكم للأجيال القادمة في هدوء َ و عدم إستعمال العنف مرةً أخرى. أشكر الأخ المعلق ياسين لألتفاتته للأجيال القادمة لأنها ركيزة الدولة.

  • MUFAKKIR

    كل الأنظمة الإنسانية ناقصة لكن هناك فرق يكمن في التطبيق وفي ارادة تحسين شروط العيش للجميع عن طريق تشريعات مدروسة ومتقف عليها من غالبية الناس. باختصار يا أستاذ نحن لم نطبق لا ديمقراطية حقيقية ولا اشتراكية حقيقية بل اكتفينا بشعارات رنانة. ثم أن الدول تحكم مع شعوبها لا بتهميش كل مخالف. أنا متأكد أنك تعرف كل هذا حق المعرفة. فلماذا اللف والدوران؟

  • Mufakkir

    لا يؤمن عاقل أن الديمقراطية هي النظام الأمثل لكن لا بديل لها اليوم لحل مشكلة الحكم وتنظيم العلاقة بين الحكام والمحكومين. كلامكم يعني أن مادمت للديمقراطية نقائص فعلينا الدخلي عنها. ماذا نختار حينها؟ الفوضى التي تعرفها دولنا؟ الخلافة؟ الدولة الثيوقراطية؟ كل هذه الأنظمة أثبتت عجزها على حل مشكلة الحكم وتحقيق الإستقرار والرفاه. ثم لماذا تقارن بين الإشتراكية والديمقراطية. الإشتراكية في الدول الديمقراطية ساهمت في حل مشاكل الناس. أما في دولنا فقد عمقت هذه المشاكل وحطمت الإقتصاد. طبعا من جرب نظاما واحدا طبق بشكل فاشل ولم يجرب نظما أخرى ومفاهيم أخري وممارسات سياسية أخرى ولم يعش الا في بلادنا لا يعرف من التجارب إلا الفاشلة. هل نقارن ديمقراطية السويد والنرويج باشتراكية روسيا والعراق وسوريا... ؟

  • جزاءري

    سوف مستمر بارتكاب الاخطاء إلى ان نفهم ان الاستراكية بريءة وان الديمقراطية والانفتاح بريءان وان المتهم الحقيقي هو أنفسنا اللتي نصر على انها متعافية ولا تحتاج إلى تغيير ومراحعة . ألمانيا راسمالية و الصين يقتل انها دكتاتورية وسر تفوقهما لا علاقة له بلي شيىء الا بالانسان نفسه . الانسان الالماني وثقافته والانسان الصيني وثقافته . على الانسان الجزاءري ان يكف عن الاعتقاد أن ثقافته لا تحتاج إلى مراجعة وان اسقاط النظام واستبداله يكفي لتصبح الجزاءر اشبه بالمانيا او الصين. الانسان الجزاءري ما زال لا يعرف احترام القانون فيضع سلعة البيع فوق رصيف المارة بل على الطريق بمبرر أنه زوالي .هل يحدث مثل هذا في ألمانيا مثلا وبهكذا عقلية وثقافة.

  • ياسين

    المشكل في الجزائر أن الذين يرفعون "شعار الديمقراطية" اليوم هم أكثر الناس عداوة للديمقراطية ذاتها؟ أليسوا هم الذين وقفوا ضد أول انتخابات حرة في الجزائر وانقلبوا عليها في 1992؟ ألم تخرج تلك الأحزاب التي التي تدعي الديمقراطية في مسيرات (حزب حنون، الأرسيدي، الأفافاس .....) مطالبين بتدخل الجيش لوقف المسار الانتخابي...وبالفعل حدث الانقلاب وتم اغتيال الديمقراطيةوادخلت البلاد في دوامة الدم والدموع والخراب الممنهج كأن التتار مر من هنا؟؟؟ فهل فعلا الديمقراطيون صادقين في شعاراتهم المرفوعة أم أنهم يخدعون الجيل الجديد الذين لا يعرفون ماضيهم الأسود؟