-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الزكاةَ الزكاةَ يا أغنياء الجزائر

الزكاةَ الزكاةَ يا أغنياء الجزائر

نقلت وسائل الإعلام الوطنية المكتوبة والمسموعة والمرئية والإلكترونية أيضا منذ أسابيع خبرا وطنيا اقتصاديا وسياديا مهما ومفرحا معا.. جاء في معرض وسياق الردود الوطنية الطبيعية والاعتيادية والمنتظرة وطنيا على تصريحات الرئيس الفرنسي المجّةِ، والمجافية للتاريخ ولحقائقه ووقائعه وأحداثه الناصعة، والضاربة للمواثيق والأعراف الدولية والدبلوماسية عرض الحائط، ومفادهذا الخبر: (أن عشرين صناعيا من رجال المال والأعمال والتجار الأوراسيين الباتنيين قرّروا توقيف صفقات اقتصادية وتجارية مع شركات فرنسية تقدَّر بواحد مليار أورو) ردا على تصريحات الرئيس الفرنسي التحضيضية العنصرية التمييزية تجاه الجزائر حكومة وشعبا وتاريخا وماضيا وحضارة..

الخبر يبدو في شكله ومنظره ومحتواه وتأثيره السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي أيضا عبارة عن صفعة مدوية في وجه الآلة الاقتصادية الاستعمارية الفرنسية، المسكونة بهواجس الهيمنة والاستكبار السلطوي والغطرسة والاستعلاء الاستعماري الأرعن، والحالم ببقاء أسطورة الجزائر المستعمَرة الفرنسية.. والمحلل لهذا التصرف الاقتصادي والموقف السياسي الحازم الصادر عن هؤلاء الصناعيين ورجال المال والأعمال، يخرج في نهاية تحليله بنتيجة إيجابية ومبشرة مفادها: التصريح والحكم بوطنيتهم الخالصة ومحبتهم لبلدهم الجزائر، ووقوفهم السليم والصحيح مع قيادة البلاد السياسية، سواء أكانوا متفقين معها أم معارضين لها، وهذا هو التصرف الصحيح والسلوك السليم المنتظر منهم، والواجب اتّباعه في مثل هذه الأزمات التي تعتري العلاقات بين الدول؛ إذْ تحتم محصلة منظومة القيم والمبادئ الوطنية والدينية والسياسية والثقافية والسيادية التعامل بهذه الطريقة، وإلاّ عُدَّ ذلك من باب خيانة الوطن وخذلان الأمة.

وعلى الرغم من نظرتي كغيري من المتابعين والمحللين إلى هذا الخبر نظرة إيجابية وهو كذلك، إلاّ أنني نظرت إلى الخبر من وجهة نظر أخرى، تنطلق من قيمنا الدينية والإصلاحية والوطنية والاجتماعية والأخلاقية.. وهي نظرة ليست بغريبة ولا بعيدة عن كل جزائري مسلم أصيل.. وهنا وجب علينا قبل أن نعرض وجهة نظرنا الدينية البحتة، والتي تنطلق من محبّـتنا وخوفنا على مصير هؤلاء الأغنياء بعد انتهاء الحياة الدنيا ونزولهم إلى القبر واستسلامهم لحياة البرزخ.. أن نقوم بعملية تثمين أفعال الخير وصدقات وتبرُّعات رجال المال والأعمال الدائمة، والتي تعبِّر عن تديُّنهم وتمسُّكهم بالدين وأحكامه وشريعته.. ولا يعني مقالنا هذا أنهم لا يُخرجون زكاتهم، أو أنهم من منكري فريضة الزكاة إنكار كفر، أو جحود، أو معصية ورفض، أو توانيَ وكسل.. بل لكوننا نخاف عليهم من عدم إحياء وإتيان هذه الفريضة العينية الواجبة، التي فرضها اللهُ على كل مسلم ومسلمة يملك النصاب وحال عليه الحول، سواء أكان مالا أو زرعا أو أشجارا مثمرة أو أنعاما أو ذهبا أو فضّة أو نقودا أو نحوها من عروض التجارة والعقارات والصناعة.. والتي لها فوائدها العِظام على صاحبها في الدنيا والآخرة، فضلا عن فوائدها ومنافعها وعوائدها الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والنفسية والصحية والأمنية على الفرد والمجتمع والأمة..

وعليه، فتبرُّعاتُهم وصدقاتهم ومساهماتهم الخيرية الطيبة لا تكفي لوحدها ليعبِّروا عن انتمائهم لدين الإسلام، كما أنها لا تكفي لسد حاجات الفقراء والمعوزين والمحتاجين الذين صاروا يُعدّون في بلادنا الغنية –للأسف الشديد- بعشرات الملايين، إذ تشير الإحصاءات الرسمية إلى وجود أكثر من خمسة وثلاثين (35) مليون فقير جزائري.. وهذا عار وعيب وحرام على الطبقة الثرية.. ولأن فريضة الزكاة حق وواجب عيني، يجب الامتثال لأحكامها الشرعية بدليل الكتاب والسنة والإجماع والقياس والاستصلاح والاستصحاب.. لقوله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) (التوبة 103)، ولقوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم) (التوبة: 60).

وبعملية حسابية لقيمة مبلغ الميار أورو الذي أوقفوا التعامل به مع الشركات الفرنسية ومعادلته بالعملة الوطنية، والذي هو مجرد صفقة فقط، وليس هو كل رأس مالهم، إذْ إن رؤوس أموالهم تُقدر بما لا يعلمه إلاّ الله وهم.. فهو يساوي حسب السوق عشرين ألف (20000) مليار وزكاته الشرعية خمسمائة (500) مليار، وعلينا أن نتخيل أيها القراء الأعزاء لو وُزِّعت هذه المليارات الخمسمائة على عشرين ألف (20000) فقير ومحتاج في ولاية باتنة من الحراس والبوابين وعمال النظافة والأعوان البسطاء ونحوهم من اليتامى الأرامل والأيامى والمطلقات.. لوصل لكل واحد منهم مبلغٌ يقدَّر بمائتين وخمسين ألف دينار (250000) دينار جزائري، أي ما يعادل خمسة وعشرين مليون سنتيم. وعليكم أن تتخيلوا وصول هذه الزكاة مطلع الدخول المدرسي وحلول فصل الشتاء، فكم سيكون له من أثر ونفع للأمة التي صار غالبيتها (35) مليون فقير..

إن أغنياء القطر الجزائري بدءًا من أغنياء سطيف والعلمة وقسنطينة والجزائر ووهران وبجاية وتيزي وزو والبليدة… ووصولا إلى كل من أغناه الله بفضله في أيّ ولاية من ولايات الوطن، مسؤولون مسؤولية فردية وجماعية عن سكان ولايتهم، ولو تكفل كل أهل بلدة بفقراء بلدتهم لما بقي فقيرٌ في الجزائر.

وما أحبُّ أن أشير إليه أيضا أن أغنياء القطر الجزائري بدءًا من أغنياء سطيف والعلمة وقسنطينة والجزائر ووهران وبجاية وتيزي وزو والبليدة… ووصولا إلى كل من أغناه الله بفضله في أيّ ولاية من ولايات الوطن، مسؤولون مسؤولية فردية وجماعية عن سكان ولايتهم، ولو تكفل كل أهل بلدة بفقراء بلدتهم لما بقي فقيرٌ في الجزائر.. وأنهم ملزمون بشريعة الله أن يؤدّوا حقه، وأن يقيموا شعائر الإسلام، فلا يكفي نطقهم بالشهادتين وأن يقيموا الصلاة ويصوموا رمضان ويحجوا البيت وأن يعتمروا ويصلوا صلاة الجمعة والعيدين والتراويح من غير زكاة، فعبادتهم ليست ناقصة فقط، بل دينهم كله مشكوكٌ فيه.. ومصيرهم يوم القيامة ليس على ملة الإسلام لتعطيل أهمّ فريضة من فرائضه الغائبة من حياته، حتى لو صرّحوا بإيمانهم بها دون تأديتها، فلا يغنيهم ذلك عن استحقاق النار يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون.

وسنسوق لكم على عجالة شيئا من الأدلّة القرآنية والنبوية معا في حكم مانعي الزكاة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من آتاه الله مالا فلم يؤدِّ زكاته مُثِّلَ له ماله يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوّقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه -يعني بشدقيه- ثم يقول أنا مالُك أنا كنزُك ثم تلا لا يحسبنّ الذين يبخلون… الآية)). وفي رواية تلا قوله تعالى: ((.. وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ)) (التوبة: 34، 35).

وعن أبي هُرَيرة رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما مِنْ صاحِبِ ذهَبٍ ولا فِضَّةٍ لا يؤدِّي منها حقَّها إلَّا إذا كان يومُ القيامةِ، صُفِّحَتْ له صفائِحُ من نارٍ، فأُحمِيَ عليها في نارِ جهنَّمَ، فيُكوى بها جنبُه وجبينُه وظهرُه، كلَّما برُدَتْ أُعيدَت له، في يومٍ كان مقدارُه خمسينَ ألفَ سَنةٍ، حتَّى يُقضَى بين العبادِ؛ فيُرَى سبيلَه؛ إمَّا إلى الجنَّة وإمَّا إلى النَّار)). وعن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال لمعاذِ بِنِ جبلٍ رَضِيَ اللهُ عنه حين بعثَه إلى اليمن: ((.. فأعْلِمْهم أنَّ اللهَ افتَرَض عليهم صدقةً في أموالِهم، تُؤخَذ من أغنيائِهم وتُردُّ على فُقَرائِهم..)). ومبحث الزكاة من أجلِّ وأدقِّ ما جاء في الشرع الإسلامي كحُكم مانعيها ووجوب مقاتلتهم، ووجوب إرغام وليّ الأمر مانعيها بدفعها أو معاقبتهم ومصادرة أجزاء من أموالهم.. ونحوها.

وما أتمناه لكم يا أغنياء الجزائر الفضلاء في ختام هذه الموعظة أن يكون صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمثالُ الصحابي الجليل الغني جدا (عبد الرحمن بن عوف) وبعض أصحابه المبشرين بالجنة كـ(الزبير بن العوام ت 36هـ) و(طلحة بن عبيد الله ت 36هـ) رضي الله عنهم أجمعين الذين كانوا يتبرعون ويتصدقون بالمال الغزير جدا فضلا عن إخراجهم للزكوات المشروعة. وأن تكونوا كـالعلم الجليل (عبد الله بن المبارك ت 181هـ) الذي كان يغزو عاما ويحجُّ عاما ومعه يحجُّ مائة حاجٍّ على نفقته، والذي كان يُقَلِّبُ في تجارته كل عام ما يعادل ستمائة ألف دينار ذهبي تُدرُّ عليه كل سنة مائة ألف دينار ذهبي يصرفها في أعمال الخير والبر، ويوم أن توفي مات فقيرا غريبا، ولما وسده نَصْرٌ مولاه ليسلم روحه بكى، فقال له: ((يا نصر لقد طلبتُ من الله أن أعيش عيشة الأغنياء وأن أموت ميتة الفقراء والمساكين، أسوة وتقرّبا من سيد المساكين القائل: “أللهم أحيني مسكينا وأمِتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين”)). فـ(مالكم لا ترجون لله وقارا..) (نوح: 13)، وحذارِ ثم حذارِ من بطش الله تعالى القائل في حق من أعرض عن ذكره وشريعته: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى* قال ربِّ لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا* قال كذلك أتتك آياتُنا فنسيتَها وكذلك اليوم تُنسى) (طه: 122.. 124)، أللهم اشهد أني بلغت.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!