الرأي

السؤال الحقيقي في مجال اللغات..

محمد سليم قلالة
  • 3230
  • 27

يذكِّرني تعامل الحكومة مع اللغة الأمازيغية اليوم بذات الأسلوب الذي تعاملت به مع اللغة العربية في منتصف السبعينيات.. في منتصف السبعينيات كانت هناك مطالبة بتعريب التعليم والإدارة والعلوم ولسان الوزراء والولاة وكانت الإجابة من قبل المسؤولين آنذاك أن التعريب ينبغي أن يكون تدريجيا، لنقص الإطارات والوسائل، ولضرورة إلحاق اللغة العربية بالتكنولوجية وبالعصر.. قائلين ـ بنفس عبارات اليوم ـ أن المشكلة ليست مطروحة على الصعيد السياسي إنما هي مطروحة على صعيد الإمكانيات والوسائل… ومازالت هذه الإمكانيات والوسائل لم تتوفر بالكامل إلى اليوم، إذ أن اللغة الفعلية للحكومة هي الفرنسية، ولغة البنوك والعلوم والإدارة هي الفرنسية، ناهيك عن لغة الاجتماعات المتخصصة في عالم المال والأعمال وحتى لدى هيئاتنا الدبلوماسية التي تمثل رمز سيادة الدولة في الخارج…

بنفس المنهجية يتم التعامل مع اللغة الأمازيغية، حيث أن المشكلة يقولون ليست على صعيد القرار السياسي إنما على صعيد الإمكانيات والوسائل، على صعيد الحرف، ومن يُعلِّم الحرف وكيف ينبغي ذلك.. وسيستمر تقديم هذه الحجج لمدة خمسين سنة أخرى، ولن تصبح اللغة الأمازيغية لغة الحديد والصلب، كما قال الراحل هواري بومدين عن اللغة العربية ذات يوم..

ونتيجة هذا الموقف والخيار المتردد يبدو أننا سنبقى نعيش حالة من الهجين اللغوي الذي يجعل منا لا نُتقن أية لغة من لغاتنا الوطنية، بل حتى أية لغة عالمية بما في ذلك الفرنسية.

وعليه فإن المسألة على خلاف ما يُبدو ليست مرتبطة بصعوبات تقنية ووسائل وإمكانيات إنما بمدى امتلاكنا لسياسة لغوية حقيقية ورؤية متكاملة في مجال التعامل مع اللغات تجعل من خياراتنا استراتيجية بمعنى الكلمة، وتجعل منا نطرح الأسئلة الصحيحة في مجال إحياء لغاتنا الوطنية أو الاستفادة من اللغات الحية العالمية.

الأسئلة التي من شأنها أن تُعيد الأمل لنا في هذا المجال ينبغي أن تبدأ بفتح نقاش حقيقي ليس حول الأمازيغية أو العربية إنما حول جدوى اللغة الفرنسية في مجال الانفتاح على العالم وتحقيق التقدم العلمي والتكنولوجي، وهل تعد هذه اللغة أداة كافية لتطوير الجامعة والبحث العلمي وتحقيق الابتكار اللازمين؟ وعند الإجابة عن هذه الأسئلة سنجد أنفسنا أمام واقع جديد، أمام خيارات أخرى وآفاق أرحب للغتين العربية والأمازيغية… وتأكدوا بأن مسألة الإمكانيات والوسائل لن تطرح أبدا بالنسبة للغتين معا عندما يتم رسم سياسات عامة بشأنهما إلى جوار أية لغة من لغات العالم ـ ولو كانت الصينيةـ  باستثناء لغة واحدة، ستبقى تطرح حجة الوسائل والإمكانيات، هي الفرنسية وستبقى تطرحها وإلى الأبد…

مقالات ذات صلة