الرأي

السلطان “النائم”

قال من لا أطيقُ ذكر اسمه، وتُزعجني رؤية وجهه، ويُؤرقني سماع صوته تعليقا على من اشتكوا في هذه “الهملة الانتحابية” من عمليات الغش والتزوير التي لا تحتاج إلى دليل أو برهان؛ قال: “من ليس له مراقبون في كافة المكاتب لا يمكنه الحديث عن التزوير”. (الشروق في 21/04/2014 ص 03).

إن تزوير الانتخابات عند الدول التي تستحق اسم الدول هو كالكبائر عند المؤمنين الأوابين، فكما أن المؤمنين الصادقين لا يقربون الصغائر فضلا عن أن يجترحوا الكبائر؛ فكذلك ليس هناك ما تحرص تلك الدول على اجتنابه مثل التزوير، وأخشى ما تخشاه أن تُتّهم بأن تزويرا ما وقع في انتخاباتها ولو كان في أصغر مكتب، ولذلك لم نسمع أي حزب كبُر أو صغُر في تلك الدول المحترمة اشتكى من أي تزوير وقع عليه، بينما نحن نبدأ التشكّي من التزوير قبل بدء التصويت، لأن الجميع يعلم علم اليقين أن خطة التزوير قد أحكمت، وأن المزورين قد أعدوا قبل استدعاء الهيئة الناخبة، ومن كان في هذا يمتري فليستمع إلى شهادة الأخ بشير فريك (الوالي الأسبق) التي أدلى بها في “قناة الشروق”، حيث أكد ما يعلمه جميع الناس من التزوير المفضوح. وقد يكون توقفه في الجزائر من المستحيلات. حتى صار مزوّرُونا أكثر مهارة في التزوير من أشهر مزوّر في التاريخ، وهو إدمون نيجلان، الوالي العام الفرنسي في الجزائر في النصف الثاني من أربعينيات القرن العشرين، وقد شهد المناضل دماغ العتروس أن “الانتخابات التشريعية سنة 1947ـ التي أشرف عليها نيجلان هي الانتخابات الوحيدة الحرة في الجزائر منذ ذلك الوقت وإلى يومنا هذا، وكذلك كانت انتخابات البلديات في أكتوبر 1948”. (جريدة الشروق 24 مارس 2014 ص 17).

وبسبب ذلك التزوير صار أغلب الجزائريين يرون في مقاطعة الانتخابات من أفضل القرُبات، وقد ساءنا شخص وصف المقاطعين لهذه “الانتحابات” بـ”الغشاشين”، وكنا نودّ لمكانته لو كان ناصحا لأولئك المزوّرين، صارفا ذلك الوصف لهم، لأنهم خانوا إخوانهم الجزائريين، وخانوا أماناتهم وهم يعلمون؛ ولكنه الحرص الذي أذلّ أعناق الرجال، أو “البَطنُولوجيا” حسب تعبير الأستاذ مالك ابن نبي في كتابه “العَفَنْ”. ولا ريب في أنه سيأتي يوم تتقطع فيه الأسباب، ويقال لمن حرّفوا الكَلِمَ عن مواضعه، وأكلوا الدين بالتين، وغلبت عليهم شهواتهم: “ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة، أَمَّنْ يكون عليهم وكيلا”. فليضحك هؤلاء المزوّرون والغشاشون الحقيقيون والساكتون عن الحق قليلا وليبكوا كثيرا.

لو كانت الرجولة عملة رائجة في وطننا لما احتجنا إلى مراقبين محليين فضلا عن أن نأتي ـ ذَرًا للرماد في العيون ـ بمراقبين خارجيين نعلم أنه ما جيء بهم إلا لأداء شهادة زور، وقديما قيل “فاقد الشيء لا يعطيه”.

وأختم هذه الكلمة بطرفة وقعت بين امرأة وبين أعظم سلطان عثماني، هو سليمان القانوني (1495 ـ 1566م)، حيث أنبأته تلك المرأة بأن لصوصا سطوا في غسق الليل على شُويْهاتها، فأجابها السلطان بأن الواجب عليها أن تبيت حارسة لها، فما كان جوابها إلا أن قالت بأجرإ قلب وأفصح لسان: “ظننتُ أن مهمة السلطان هي أن يحرسني ومتاعي”.

أما حكام المسلمين المعاصرون فلا يكتفون بالنوم عن رعاية الشعوب، ولكن كثيرا منهم هم الذين يسرقونها على رأس بطانة هي أسوأ (ما) خلق الله. والحديث قياس.

مقالات ذات صلة