الرأي

السيسي على خُطى بشار

حسين لقرع
  • 2971
  • 0
ح.م
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي

في منتصف مارس 2011، اندلعت انتفاضة شعبية سلمية بسوريا للمطالبة بالديمقراطية. وعوض أن يعالج النظام الأمر بالحكمة والتعقل، قابل شعبه بقمع دموي شديد، وبالغ في ارتكاب المذابح ضده، ما أفضى بعد أشهرٍ إلى عسْكرة الثورة، والبقية تعرفونها جميعاً..

ويبدو أن السيسي لم يستخلص أي درس مما حدث في سوريا منذ أربع سنوات، فبشار كان يريد إخراج الانتفاضة الشعبية عن طابعها السلمي وعسْكرتها بهدف إلحاق تهمةالإرهاببالثوار، ومن ثمّة سحقهم عسكرياً والبقاء في الحكم، وسوّلت له نفسُه إن جيشه قادرٌ على تحقيق ذلك بسهولة، فكانت النتيجة تآكل قدرات جيشه وخراب بلده حتى أضحى مهدّداً بالتفكك والانقسام.. والسيسي يصرّ على استنساخ تجربته المدمّرة وقمع المظاهرات السلمية بشدّة، وتعليق حبل المشنقة لخصومه ووصمهم بـالإرهاب، أملاً بأن يدفعهم إلى حمل السلاح لإيجاد مبرّر للقضاء عليهم، حتى لا يتكرر معه ما حدث لكل حكام مصر الذين عجزوا عن القضاء على جماعة الإخوان المسلمين طيلة 87 سنة من وجودها، بفضل تشبّثها بالمقاومة السلمية للفراعنة المتعاقبين على حكم البلد.

إذا تواصل القمع الدموي للانتفاضة السلمية بمصر، وتمّ تنفيذ أحكام الإعدام بحق مرسي وبديع وقيادات الإخوان، فقدينجحالسيسي في حرف الانتفاضة السلمية بمصر عن طابعها السلمي، كمانجحبشار في سوريا منذ أربع سنوات، وقد يجنح آلافُ الشبّان إلى العنف ويحملون السلاح في ظل تغييب قادتهم في السجون أو إعدامهم، فتغرق مصر في الفوضى، ويتكرر فيها الأنموذج السوري.

لقد تغيّر الوضع بشكل كبير منذ اندلاعالربيع العربي، ولم يعد الوصول إلى السلاح النوعي أمراً عسيراً كما كان في العقود الماضية.. ليبيا الآن تعجّ بأكثر من 50 مليون قطعة من مختلف أصناف الأسلحة، وتهريبها ليس أمراً صعباً، وتأثيرها مدمّر، ويكفي أن نذكّر بأن جزءاً يسيراً منها مكّن الأزواد من بسط سيطرتهم على شمال مالي كله في أسابيع قليلة في مستهلّ عام 2012، كما مكّنبوكو حراممن التغوّل في نيجيريا والكاميرون وتهديد التشاد والنيجر، وداعشمن بسط سيطرتها على درنة وسيرت ومناطق أخرى بليبيا، بل إن المثل قائمٌ في مصر نفسها؛ إذ أضحتولاية سيناءالتابعة لـداعشتقوم بعملياتٍ دموية في صحراء سيناء منذ نحو ثلاثة أعوام، بفضل الأسلحة النوعية الليبية، وعجزَ الجيش عن القضاء عليها مع أن عدد مقاتليها لا يتجاوز الألفين فقط

نسوق هذه الأمثلة لنقول إن إصرار السيسي على الحل الأمني القمعي، واتخاذ القضاء أداة لتصفية خصومه السياسيين، ورفض الإصغاء إلى نداءات التعقل، وصدّ الوساطات الإقليمية لتحقيق المصالحة.. قد يُدخل مصر في سيناريو أخطر بكثير مما تعرفه سوريا التي قادتها الديكتاتورية والقمع الدموي إلى أن أصبحت مهدّدة بالصوْملة والتقسيم والانهيار.

إذا كانت مصر وجيشُها مستهدفين في إطار مخططات أجنبية لإعادة تقسيم البلدان العربية، كما يقول الانقلابيون، فإن إفشال هذه المخطَّطات يتحقق بتقوية الجبهة الداخلية عن طريق تنفيذ مصالحة وطنية شاملة، وليس بتصعيد القمع كل يوم، والسعي إلى عسْكرة الانتفاضة السلمية.

 

المجال لايزال مفتوحاً لاستدراك الأمر قبل فوات الأوان

مقالات ذات صلة