الرأي

الشاب خلاص يُهاتفكم.. وينكم؟

قال المدعو الشاب خلاص، ردا على سؤال الشروق اليومي، عن تهمة، سرِقته أغنية بالكامل لحنا وكلمات، من مغن مغربي مغرور، بأنه بريء من التهمة، وكل ما في الأمر، أنه أبحر في عالم “اليوتوب” فصادف الأغنية محل الجدل “ألو وينك”، فأداها وحقق عبرها نجاحا ماديا كبيرا، جعله نجم كل المهرجانات الدولية التي احتضنتها الجزائر، ونجم أفراح وأعراس الجزائريين، فلقي التكريم المادي والمعنوي من الدولة ومن الشعب نظير ما اقترفه من نقل.

هكذا ببساطة، اعتبر هذا الذي يُحسب على عالم الفن، استنساخ أغنية من اليوتوب عملا عاديا، يدخل ضمن الإبداعات التي تُحسب له وليس عليه، وإذا قِسنا على كلامه، فمعنى ذلك أن هذا العالم الإلكتروني الذي حوّل حياتنا إلى قرية، قد تحوّل إلى وسيلة لسرقة، ما يبذله الآخرون من جهد.

الموهبة وحدها لا تصنع الإبداع، والذكاء لم يصنع أبدا الأمم، وإنما البذل هو الذي يطير بالدول والشعوب، فقد عقرت بطون الجزائريات في السنوات الأخيرة، فصار فريق كرة القدم تصنعه المدارس الفرنسية، وحتى القليل من الفنانين الذين نجحوا نسبيا، إنما جاء حصادهم خارج الوطن، وأمثال الشاب خلاص الذي لم يبذل أكثر من تشغيل حاسوبه، ونقل أغنية أعجبته بالكامل حاذفا صوت غيره، ومتربعا على عرشها بصوته، كثيرون في شتى المجالات، فقد اكتشفت سرقات إلكترونية علمية في جامعاتنا، حصل عبرها أشباه الإطارات الجامعية، على الدكتوراه وما بعدها، وانتقلوا إلى مناصب حسّاسة، ولا أحد صاح بالفضيحة، بل إن هؤلاء الدكاترة المزيفين مازالوا يأمرون وينهون، في قطاع يتواجد حاليا في المركز الأخير في العالم.

نقول ونحفظ جميعا، جملة شائعة، وهي أن التكنولوجيا سلاح ذو حدين، إن أحسنا استعمالها، نقلتنا إلى حياة أفضل، وإن أسأنا استعمالها رمتنا في النار، وواضح أننا منذ أن دخل العالم المتطور جنة ونعيم التقدم، احترقنا نحن طواعية بالنار، فكل البحوث التي يطلبها المعلم أو الأستاذ أو المحاضر في كل أطوار التعليم، من تلامذته أو من طلبته، يتم طلبها من عالم الانترنت، وأحيانا يجد الأستاذ نفسه أمام إجابات وبحوث صورة طبق الأصل لدى كل التلاميذ، لأنها نُقلت من مصدر واحد، فبعد أن كان التلاميذ يجتهدون فيخطئون، وتُصحح إجاباتهم، صاروا، يضغطون على زرّ واحد، ويعيدون للأستاذ بضاعة غيرهم، ولن نبالغ إذا قلنا إن الجزائريين لم يبدعوا لوحة زيتية واحدة، ولا قصيدة شعر واحدة، ولا لقطة كروية واحدة، ولا فيلم واحد، ولا لحنا موسيقيا واحدا، منذ أن قاد مجالات الفن والرياضة من اعتمدوا على ما يسمى بالأنترينت واليوتوب كما فعل ويفعل هذا الشاب المسمى خلاص، الذي وجد خلاصه في عالم اليوتوب، فصار ينجز ألبوماته بطريقة أسهل من صنع الفطائر، وفي زمن قياسي وفي أي مكان، حتى ولو كان في التواليت.

لو كانت المشكلة في خلاص، لتخلصنا من همّ أغانيه، ولكنها موجودة في عالم السياسة والأدب والدين، فلا تتفاجأ إذا رأيت رئيس حزب ينقل برنامجه من جهد رجل سياسة آخر، أو رجل دين يعيد خطبة جمعة سمعها عبر اليوتوب، وقد يكون خلاص ببراءته، وحده من صدق مع سائله، واعترف بجريمة رآها هو حلال، أما البقية، فإن خطرهم يكمن في كونهم، أنهم لن يعترفوا أبدا بجرائمهم، لأجل ذلك سيكون لسؤال خلاص: آلو وينك؟ … .إجابة واحدة

مقالات ذات صلة