الرأي

الشاوية ليسوا جهويين

حسين لقرع
  • 9884
  • 35

في خضمّ الضجة المثارة حول “المزحة” الجارحة والسخيفة التي أطلقها سلال حول الشاوية، ظهرت تعاليق لأطراف قد تكون محسوبة على السلطة تتحدث عن “استثمار غلطة سلال لأغراض انتخابية”، ما يُفهم منه أن غضب الشاوية هذه الأيام قد يُستغلّ لدعم بن فليس وبلعيد، وأنهم سيصوّتون عليهما لأنهما أبناء باتنة فحسب.

لو كان الشاوية جهويين لمنح أغلبُهم أصواتَهم لبن فليس في رئاسيات 2004، ولكن المعروف أن بوتفليقة حصد أغلب أصواتهم في تلك الانتخابات، كما حصدها في رئاسيات 1999 و2009، لأنهم تعوّدوا أن يصوّتوا لمن يرونه الأقدر على حكم البلد، وليس لأبناء منطقتهم بالضرورة، وحتى عندما انتخبوا زروال بالأغلبية في 16 نوفمبر 1995، لم يفعلوا ذلك لأنه ابن باتنة، بل لأنهم التمسوا فيه المقدرة على إخراج البلد من الأزمة، بعد أن حكم الدولة باقتدار منذ 31 جانفي 1994، وتمكن من إخراج الجزائر من عنق الزجاجة وانقاذها من الانهيار الذي كانت على شفا حفرة منه.

وحينما انبرى الشاوية وحدهم لمحاربة الاستعمار منذ اندلاع الثورة في 1 نوفمبر 1954، فعلوا ذلك من أجل الجزائر كلها وليس من أجل الأوراس فقط، وقد تحمّلوا عبء الثورة وحدهم إلى غاية هجمات 20 أوت 1955 التي فكت عنهم الحصار، ولو طالت هجمات الشمال القسنطيني أشهراً أخرى لما تذمر الشاوية أو تخلوا عن واجبهم الوطني وتقديم المزيد من التضحيات من أجل الجزائر، وقد كان لهذا الصمود الأسطوري دورٌ فاعل في نجاح الثورة بدليل تصريح بن بلة بأن “الرهان كان أن تصمد الثورة أو لا تصمد انطلاقاً من الأوراس، وحينما صمد الأوراس، تيقنا أن الثورة ستنجح ورفع ذلك معنوياتِنا”.

وبعد الاستقلال، لم تنل الأوراسُ حقها في التنمية، وبقيت الكثيرُ من قراها ومداشرها تعاني التخلف والتهميش سنوات طويلة، ومع ذلك تحلّى الشاوية بفضيلة الصبر، وحتى الرئيس زروال لم يكن جهويا ولم يمنح مخططا تنمويا استثنائيا لولايات الأوراس، أو لولايته باتنة على الأقل، وعاملها على قدم المساواة مع باقي ولايات الوطن، كما لم يكن جهوياً في توزيع المناصب السامية ولم يمنح للشاوية أيّ حظوة على غيرهم من أبناء الوطن.

قد يصبر الشاوية على الفقر وشظف العيش، ولكنهم لا يقبلون الظلم والاستخفاف بهم ولو على سبيل “المزاح”، ولذلك فإن رد فعلهم طبيعي تماماً ولا ينبغي أن يُؤوّل حراكُهم الاحتجاجي بالادّعاء بأن أطرافاً تجنّدهم لتحقيق مآرب انتخابية. وقد أثبتت مسيرة الخميس بباتنة مدى تعلق شبابها بوحدة الوطن ونبذ الجهوية واحتكار الحكم، وتعطشه لإقرار الديمقراطية الحقيقية والتغيير السلمي.

ككل الانتخابات السابقة، سيذهب بعض الشاوية إلى صناديق الاقتراع، ويقاطع آخرون، وستتفرّق أصواتُهم بين المرشحين الستة، وإذا صوّت أغلبُهم لبن فليس هذه المرّة خلافاً لعام 2004، فلأنهم يرون كباقي الجزائريين أن الرئيس قد أصبح مريضاً وعاجزاً بدنياً وذهنياً عن أداء مهامه، ولا يُعقل انتخابُه مجدداً ليسيِّر البلاد من غرفة نومه، أو تُسيّر باسمه، طيلة 5 سنوات، وقد يرون بن فليس الأقدرَ على المهمّة والبديل المناسب مقارنة بباقي المرشحين، ولا ينبغي فهمُ الأمر على أن له علاقة بالجهوية. 

مقالات ذات صلة