منوعات
"الشروق" تنقل مآسي ضحايا الطابونة وقارورة الغاز في رمضان

“الشروق” تنقل مآسي ضحايا الطابونة وقارورة الغاز في رمضان

الشروق أونلاين
  • 17268
  • 16
الشروق
"الشروق" تنقل مآسي ضحايا حوادث مطابخ الجزائريين في رمضان

يرقدون في المستشفيات بعيدا عن موائد الإفطار الرمضانية والدفء العائلي، بمجرد أن تلمح وجوههم تخالهم أمواتا عادوا إلى الحياة بمعجزة وقدرة إلهية، يقشعر البدن لرؤيتهم وتكاد تصاب بالإغماء، نتيجة تشوه وجوههم وتفحم أجسادهم من لسعات النيران الملتهبة، تلك هي حالة عشرات المصابين بالحروق المنزلية وحوادث العمل بالمؤسسة الاستشفائية الدويرة.

عايشت الشروق مآسي عشرات المصابين بحروق درجاتها متفاوتة، ضحاياها أمهات وآباء وأطفال صغار ذنبهم سوء استعمال “طابونة” الغاز بنوعيه خاصة في شهر رمضان، فساعة ونصف من الزمن كانت كافية للوقوف على حجم الكوارث اليومية نتيجة غياب الوعي والحذر، وكثيرا ما تكون مرتبطة بقضاء الله وقدره .

كانت عقارب الساعة تشير إلى الثالثة وخمس دقائق زوالا، حين رافقنا البروفيسور “جوكدار سمير” إلى مصلحة الحروق لنتعرف على تشوهات وإصابات خطيرة على مستوى أجزاء متفرقة من أجساد المصابين، أول ما صادفناه قبل أن نلج إحدى غرف المرضى، العائلات التي كانت برواق المصلحة جالسين على الكراسي وآخرين على بلاط المستشفى من شدة القلق والذعر ينتظرون الأطباء المختصين لطمأنتهم على ذويهم . وجهتنا الأولى قسم النساء، ونحن نسير في رواق طويل سمعنا أنين وصراخ المرضى من شدة الألم، ينبعث من غرف يرقدون فيها تحت تأثير مهدئات مخففة للألم، بعدها غادرنا البروفيسور وتركنا براحتنا للحديث مع المرضى.

من تحضير وجبة الإفطار إلى استعجالات الحروق

أول غرفة كانت للسيدة “أ. خ” تبلغ من العمر 50 سنة من ولاية الجلفة ممدة على السرير بدون أية حركة، وجهها متفحم ومشوه، وجسدها اعتلته الرضوض والكسور، وبقرب قدميها تجلس ابنتها في العشرينات من عمرها، قدمنا أنفسنا وحاولنا الحديث معها لكن من شدة الألم والحروق فمها كان مغلقا، بصعوبة كبيرة ارتأت ابنتها سرد الحادثة المؤلمة، في حالة نفسية يرثى لها والدموع بعينيها، حين أخبرتنا أن “والدتها كانت بصدد تحضير “الكسكس” للسحور، غير أن تناسيها لقارورة غاز البوتان والتسربات، حملهم عواقب وخيمة كادت أن تكلف والدتها حياتها لولا ستر الله، فبمجرد أن أشعلت الكبريت بالفرن انفجر الغاز كالمدفع المدوي، والتهبت ملابس أمها بالكامل، خاصة ان باب المطبخ اقفل من الداخل بفعل قوة الانفجار، لتصاب والدتها بحروق من الدرجة الثالثة على مستوى كافة أنحاء الجسم وكسور“.

غادرنا الغرفة ونحن نسير في الرواق، وجدنا إحدى الغرف مظلمة مقفلة بإحكام، سألنا الممرضة فأجابت أن عجوزا في السبعينات توقيت منذ ساعات نتيجة تأثرها بحروق بليغة وفقدانها القدرة على تحمل الآلام، حاولنا الاستفسار أكثر إلا أنها امتنعت عن الحديث مكتفية بالقول هذا من اختصاص الطبيب المشرف.

“غنية” يتشوه وجهها وتفقد والدتها دقائق قبل أذان المغرب

واصلنا جولتنا إلى الغرفة رقم 2 حيث ترقد الآنسة “ش. غنيةعمرها 22 سنة، وجهها مشوه كليا، بالكاد تفتح عيناها من شدة الحروق، حاولنا الحديث معها فرحبت بنا لتشكي مصابها الذي ألم بها رفقة والدتها، ساعات قبل أذان المغرب حين كانت والدتها بصدد تحضير وجبة الفطور، إلا أن القدر شاء أن تقضي يومها في المستشفى، والسبب تسرب الغاز من القارورة المستبدلة والفارغة دون أن تنتبه لها، لتلتهب ملابس الفتاة ووالدتها بفعل الانفجار القوي، حسب ما رددته الفتاة التي ترقد بالمستشفى في حين والدتها توفيت متأثرة بالحروق، والأكثر من هذا أن الفتاة لا تعلم بمفارقة والدتها للحياة إلى غاية كتابة هذه الأسطر، حسب ما اخبرنا به شقيقها الذي تبعنا إلى خارج الغرفة.

سيجارة كانت كفيلة بتفحيم جسده

وأما قصة “سمير. ن” المنحدر من ولاية سطيف، فالتشوهات التي أصابت جسده، كانت بسبب قيامه بتصليح سيارته بالورشة، أين سكب البنزين على إحدى قطع الغيار لتنظيفها، دون أن يشعر أن ملابسه مبتلة بمادة سريعة الالتهاب، وفي غفلة منه أشعل سيجارة ليدخن فالتهب جسمه وتشوه وجهه، حيث بدأ بالصراخ محاولا نزع ملابسه إذ تم إطفاؤه بالماء ونقله على جناح السرعة للمستشفى.

انقلاب مقلاة زيت “زلابية” تدخله غرفة الإنعاش

في حين كان تشوه جسم “ت. عبد الغني” الذي حاول بصعوبة رواية الحادثة المؤلمة، كون حالته الصحية متدهورة، بسبب تدفق كمية معتبرة من الزيت المغلي المستعمل في تحضير “الزلابية” المتزامن وحلول شهر رمضان المعظم، حيث تدفقت المقلاة من الحجم الكبير بعد انزلاقها من فوق فرن الطابونة” وتطاير الزيت المغلى ليسكب جزء على رجله والباقي أصيب به في وجهه، كلفته الإصابة الخطيرة الدخول إلى غرفة الإنعاش، وكم كانت آهات الشاب تصل إلى خارج الغرفة من شدة الألم.

.

البروفيسور جوكدار لـ”الشروق”:

الطابونة، الغاز، البنزين .. تحصد أرواح العشرات خلال الشهر الفضيل

كشف رئيس مصلحة الحروق بمستشفى الدويرة البروفسور “سمير جوكدار” أن حالة الإصابة بالحروق عرفت تراجعا مقارنة بالسنوات الماضية، وأن مصلحته تستقبل يوميا 20 مصابا منذ حلول شهر رمضان وحتى سائر الأيام، وبالأخص في فصل الشتاء حيث يكثر استعمال المدافئ المنزلية، مؤكدا أن قسم الحروق سجل منذ 15 يوما من دخول شهر رمضان 4 وفيات إحداها محاولة انتحار بالبنزين لظروف قال عنها إنها اجتماعية، وهذا ما يعني أن نسبة الوفيات مرشحة للارتفاع نتيجة استقبال المصلحة لحالات خطيرة، حيث أحصى دخول أكثر من 120 شخص منذ بداية السنة إلى المستشفى بسب الحروق المنزلية وحوادث العمل وخاصة الانتحار الذي انتشرت بكثرة في الآونة الأخيرة، لغياب الوعي والوازع الديني وكثرة المشاكل الاجتماعية.

مقالات ذات صلة