-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الصائمون‮ ‬في‮ ‬ذي‮ ‬القعدة

الصائمون‮ ‬في‮ ‬ذي‮ ‬القعدة

على بعد أقل من سبعة أشهر، من الانتخابات الرئاسية في الجزائر، مازالت الشرفات السياسية، تحاكي القمر وحده، من دون أن يطلّ منها أي مترشح جريء، يحضّر نفسه بسيكولوجيا، قبل أن يحضّر الناس، لاحتمال أي تغيير وارد بعد أفريل 2014.

وإذا كان نيكولا ساركوزي، قد قدّم نفسه وآراءه وبرامجه قبل ثلاث سنوات من الانتخابات، وتعرّف الأمريكيون على مشاريع أوباما السياسية والاجتماعية والاقتصادية قبل خمس سنوات من الانتخابات، فإنه من العبث أن يطل الآن رجل من الظلام لـ”يمتّعنا” بطلعته “البهية” في الوقت‮ ‬بدل‮ ‬الضائع،‮ ‬ليقدم‮ ‬نفسه‮ ‬كحالم‮ ‬بكرسي‮ ‬المرادية‮ ‬أو‮ ‬حتى‮ ‬كأرنب‮ ‬في‮ ‬سباق‮ ‬ملّت‮ ‬فيه‮ ‬الأروقة‮ ‬من‮ ‬الفراغ‮ ‬السياسي‮ ‬الغريب‮.‬

لقد عاش العالم العربي ومازال، أحداثا لم يسبق وأن عاشها في تاريخه في الأيام الأخيرة، من تونس إلى سوريا مرورا بليبيا ومصر، وتسارعت الأحداث في الجزائر من سياسية إلى رياضية إلى متعلقة بالفضائح، وعلّقت عليها الصحافة وكل المواطنين من دون استثناء، وبقي الذين قدموا أنفسهم كمترشحين، أو قدمهم غيرهم كحل لأزمة الجزائر، صائمين عن الكلام، من أمثال بن فليس وحمروش وبن بيتور، وكأنهم غير موجودين أو غير معنيين بما يحدث في الجزائر، وفي العالم، من باب تذكير الناس بـ”نحن هنا”… كأضعف الإيمان.

وعندما يصمت رجل، يقول عن نفسه أو يتهموه بأنه رجل سياسة في قضايا واقعية مثل الانقلاب العسكري في مصر أو التهديدات التي تحاصر سوريا وفي مهازل سوناطراك والزلزال الوزاري الذي هز الحكومة مؤخرا، فلا نظن كلامه الافتراضي في الحملة الانتخابية للرئاسيات المحتملة سيكون مقنعا، ويكاد الناس يعرفون رأي علي بلحاج وفرحات مهني في كل القضايا المحلية والدولية حتى ولو خالفت رأيهم، ولا يعرفون رأي الأسماء التي يقال عنها كبرى، ومرشحة لقيادة البلاد في أحسم الفترات، ولا يمكن أن يكون الصمت حِكمة أو من ذهب في كل القضايا، لأن فن السياسة هو الكلام، وفي أغلب الأحيان الكلام عندما يصمت كل الناس. أما أن تهتز الأرض على آخر أرقام ريشتر السياسية دون أن تحرّك للسياسيين أو لـ”مشاريع رؤساء” ساكنا فمعنى ذلك أننا أمام حالة معقدة لصورة انتخابية محتملة في الربيع الجزائري القادم.

الذين تحدثوا عن مرض الرئيس، وطالبوا بتفعيل مادة دستورية منسية، لم يقدّموا سوى مقترحات مريضة وبدائل وهمية لشخصيات صائمة في كل الشهور السياسية الحاسمة، ولكنهم صدقوا فقط عندما قالوا إن الجزائر تعيش فراغا سياسيا رهيبا، لأن مشكلة الجزائر لم تعد في ما هو موجود فقط، من مسؤولين كبار لم يعد الإجماع عليهم، وإنما في ما سيكون مستقبلا بسبب الأداء السياسي الباهت للمتكلمين والـ”لا أداء” للصامتين، إذ كاد مقام الشهيد وجسور قسنطينة وجبال الأوراس والونشريس والهڤار أن تنطق، وهم صامتون، وعندما يصبح الحل المقترح لملء ما يسمّيه المعارضون‮ ‬والناقمون‮ ‬على‮ ‬النظام‮ ‬بالفراغ،‮ ‬وهم‮ ‬ربما‮ ‬على‮ ‬صواب،‮ ‬هو‮ ‬فراغ‮ ‬آخر،‮ ‬فإن‮ ‬أسوأ‮ ‬ما‮ ‬في‮ ‬الحياة‮.. ‬هو‮ ‬أن‮ ‬تملأ‮ ‬فراغا‮ ‬بفراغ‮.‬

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!