رياضة

الصحراء والشياطين الحُمر

بلغت منافسة كأس العالم في البرازيل، مرحلة حاسمة، أطلّت من خلالها العديد من الأمم، وقالت جميعها بأقدامها، وسبق لها في مجالات حياة مختلفة أن قالت بأيديها وبألسنتها وخاصة بعقولها، وحانت ساعة قول الجزائر، في مناظرة سيكون طرفها الثاني، بلجيكا، التي ارتضت لنفسها أن تكون- بالاسم طبعا- شيطانا أحمر، ظنا منها بأن الغلبة للشياطين دائما، أو على الأقل يُرعبون المنافس بلقب الشيطان.

ومن غرائب لعبة كرة القدم أن العضو السفلي، هو مجرد حرف رويّ من قصيدة طويلة، وأي هدف يُسجل في مثل هاته البطولات العالمية، هو طوفان من العرق وبذل من المال، لأجل ذلك بقيت الغلبة والألقاب تحت أمر أقدام البلاد المتطورة، وحتى الولايات المتحدة الأمريكية واليابان، لحقتا بالركب العالمي، فنظمتا كأس العالم في رياضة لا تكاد تمتلك أي شعبية في بلديهما، وصارتا تشاركان باستمرار. وأكيد أن فرصتهما في التفوق والتتويج بالألقاب قادمة، بينما يبقى أمل البقية، مشاركة مشرّفة- كما يقولون- رغم أن الشرف لا يكون إلا بالغلبة، فالعزة التي هي لله ولرسوله وللمؤمنين، لا تكون أبدا بالهزائم، أمام بقية البلاد في أي مجال من مجالات الحياة.

 مملكة بلجيكا، التي تقلّ مساحة وديموغرافيا وخيرات عن الجزائر، تقف اليوم مثل الشيطان الأحمر، تحاول إرعاب منتخب ارتضى لقب محاربي الصحراء. وإذا كانت هذه الألقاب مجرد أسماء سماها الناس ما أنزل الله بها من سلطان، فإن المنطق يدفع المرء دائما إلى أن يكون اسما على مسمى، ولم نعلم هزيمة لمحاربي الصحراء، فما بالك أن يكون ذلك أمام شياطين مهما كانت ألوانهم بين الاحمرار والسواد. وإذا كانت أخطاء البلدان الصغيرة، في مثل منافسات الكرة تجعل من الفوز على بلد كبير، نهاية، كما حدث مع تونس عام 1978 عندما انتصرت على المكسيك، وأنهت رحلتها مع الانتصارات بالرغم من أنها شاركت بعد ذلك في أربع مناسبات في كأس العالم. وكما حدث مع المغرب عام 1986 عندما فازت على البرتغال، ثم صامت على الانتصارات باستثناء فوز واحد عام 1998 أمام أسكتلندا. وكما حدث مع الجزائر عام 1982 عندما فازت على ألمانيا، وجعلت فوزها تاريخا تذكره في ذهابها ورواحها، بينما فازت ألمانيا منذ تلك الخسارة العابرة بكأس العالم مرة واحدة، ونظمت الدورة مرة واحدة، وبلغت الدور النهائي ثلاث مرات.. إذا كانت هذه هي حالنا، فإن الوقت قد حان لأن نبدأ المنافسة بالفوز لأجل إكمال الطريق بانتصارات أخرى، قد تذكرنا بأننا خسرنا الكثير من مباريات الحياة، وحان الوقت لمحاولة اللحاق ببلجيكا وغيرها من البلدان، في مجال الكرة والاقتصاد والعلوم وفي غيرها من مجالات الحياة.

 لا يهم تشاؤم المدرب البوسني الذي أصرّ منذ أن قاد منتخب الجزائر، ووفرت له الدولة مرتبا يفوق مرتب رئيس الجمهورية، وطائرات خاصة وإمكانات لا توفرها للعلماء حتى ولو حصلوا لها على جائزة نوبل، على ارتداء النظارات السوداء واستصغار كل ما هو محلي، فالجزائر بعد عشرين سنة من الاستقلال فازت على ألمانيا، التي كانت قد فازت باللقب العالمي مرتين ونظمت البطولة مرة واحدة، على أمل أن يكون الفوز إن تحقق هذه المرة بداية.. وليس نهاية.

مقالات ذات صلة