الرأي

الصندوق الأسود والقلب الأسود

كشف الصندوق الأسود للطائرة الألمانية التي تنتمي إلى واحدة من أشهر شركات الطيران في المعمورة، عن فاجعة لم يسبق أن حدث لها مثيل، عندما قام مساعد طيّار ألماني، اتضح أنه يعاني منذ ست سنوات من مشاكل نفسية، بالانتحار ونحر مئة وخمسين شخصا معه، ينتمون إلى بلد كان يقول في الزمن النازي إن شعبه هو المختار من الله دون بقية الشعوب، وصار يبارك كل ما تفعله الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، ووقفت زعيمته ميركل مع فرنسا في حادثة شارلي إيبدو بالنفس والنفيس، وصارت المظاهرات التي تهزّ مدنه مناهضة للإسلام وللمسلمين، مسلسلا أرضى الألمان، الذين يتأسفون للصهاينة عن الهولوكوست في كل مناسبة ومن دونها.

والمؤسف أن ألمانيا التي لا تكاد تجمعنا بها سوى بعض المباريات الكروية العابرة، تسارع دائما في كل عملية إرهابية تحدث في الجزائر، لأجل أن تحذر رعاياها  وكانوا الأكثر توجها إلى الهقار للسياحة من زيارة الجزائر، ولن نتصور أن تردّ الجزائر بالمثل الآن، وتحذر مسافريها جوّا من أن يرتادوا هاته الشركة العالمية الكبرى بعد حادثة إعدام مئة وخمسين شخصا، لم يرتكبوا أي ذنب سوى أنهم ركبوا مع أحد الطيارين المرضى، من دون أن تتكفل الشركة بعلاجه.

وألمانيا التي أعلنت الحداد وأشارت دولة وشعبا بالبنان إلىالإسلامفي حادثة شارلي إيبدو التي راح ضحيتها عشرة أشخاص، وجدت حرجا الآن، عندما ارتكب أحد مواطنيها جريمة بشعة راح ضحيتها العشرات من الأبرياء، من دون أن يشير أي مسلم في العالم، إلى ديانة هذا الذي نحر وانتحر في هذا المشهد الجوي المرعب، كما لم يشر أي أحد إلى ديانة الأمريكي الشاب آدم بيترلانزا الذي اقتحم عام 2012 المدرسة الابتدائية ساندي هوك في ولاية نيوتاون الأمريكية وقتل سبعة وعشرين شخصا، من بينهم عشرون طفلا، ثم نحر والدته وانتحر، وكما لم يتحدث أحد عن ديانة الجنود الروس الذين اقتحموا عام 2004 مدرسة في بلدة بيسلان الروسية، وأبادوا بحجة فكّ حصار إجرامي، 390 شخص من بينهم 186 طفل، وغيرها من الجرائم التي تؤكد أن الإجرام والإرهاب لا دين ولا وطن ولا جنس له، بينما يريدون هم أن يقرنوا بين أي حادث في أي مكان أو زمان بالمسلمين، وحتى في حادثة الطائرة الألمانية، وحادثتي المدرستين الأمريكية والروسية، حاولوا أن يبحثوا فيها عن بصمة أو همسة إسلامية، ولكن العلبة السوداء والتحقيقات البيضاء، كشفت أن الإرهاب كما هو موجود في الشرق عند بعض الأفراد، موجود أيضا في الغرب عند الكثير من الأفراد، ومتجذر فيهم، لأن أكبر المجازر في التاريخ وقعت في هاته البلاد، التي نصّبت نفسها ضحية وقاضيا في كل القضايا والأحداث، وارتضينا نحن صفة المتهم، حتى في مذابح دير ياسين وصبرا وشتيلا والجليل وغزة.

 

لحسن الحظ أن العلبة السوداء قدّمت للعالم قليلا من حقيقة العالم الأبيض، بعد أن حاولت القلوب السوداء على مدار عقود أن تقدمنا في شكل عالم أسود.. ونجحت

مقالات ذات صلة