العائلات السياسية تعود إلى مواقعها تحسبا للاستحقاقات المقبلة
بدأت معالم الخارطة السياسية للمرحلة المقبلة ترتسم في الأفق، وبدأت معها معالم تموقع الأطراف المكونة للعائلات السياسية تحسبا للاستحقاقات المقبلة، والتي باتت على الأبواب، وعلى رأسها تعديل الدستور، الذي يعتبر قاطرة الإصلاحات التي دعا إليها الرئيس عبد المجيد تبون.
معالم هذا التشكل تمظهرت من خلال الحركية السياسية التي سجلت خلال الأسبوعين الأخيرين، بداية بما عرف بـ “مبادرة قوى الإصلاح”، التي ضمت أحزابا ومنظمات وجمعيات، وقد تسلم منها الرئيس تبون مشروعها السياسي، في مشهد غير مسبوق في التقاليد السياسية، على الأقل خلال السنوات القليلة الماضية.
كما شكلت العريضة التي وقعتها قائمة موسعة من الأحزاب والجمعيات، للتنديد باتفاقية التطبيع بين الأمارات العربية المتحدة ودولة الكيان الصهيوني، ورفض أحزاب أخرى الانضمام إليها (الأفافاس وحزب العمال)، معلما آخر على طريق التموقعات السياسية قيد التشكل.
يضاف إلى ذلك البيان الذي وقعه حزب جبهة القوى الإشتراكية بمناسبة الذكرى المزدوجة لهجومات الشمال القسنطيني ومؤتمر الصومام، والذي جدد فيه أقدم حزب معارض في البلاد تمسكه مشروعه القديم المتجدد والمتمثل في “إعادة بناء الإجماع الوطني، (الذي) لا يزال هو السبيل الوحيد لإنقاذ البلاد. ولن نتوقف عن العمل من أجل تجسيد حوار جامع، بعيدًا عن تحالفات الأجهزة ذات الأهداف الغامضة، للبحث عن حل سياسي وديمقراطي للأزمة متعددة الأبعاد التي نعيشها.”
ويعود هذا المشروع يعود إلى بداية العهدة الرابعة للرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، والتي تسببت (العهدة الرابعة) احتقانا سياسيا، أنتج أيضا ما عرف بأرضية مزفران، التي ضمت، كما هو معلوم، غالبية الأحزاب والجمعيات والمنظمات.
الكثير من المراقبين قرأوا في “مبادرة قوى الإصلاح” والأطراف السياسية المشكلة لها، بداية تبلور تحالف أو تكتل سياسي، قد يلعب الدور الذي كان قد لعبه التكتل الذي تبنى تجسيد برنامج الرئيس السابق، لا سيما وأن الأحزاب التي تشكل هذه المبادرة، انخرطت بقوة في مسعى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، مثل حركة البناء الوطني التي حل مرشحها، عبد القادر بن قرينة، ثانيا في السباق الرئاسي، وعبد العزيز بلعيد، الذي حل خامسا.
وتتضمن “مبادرة قوى الإصلاح” طرحا سياسيا منفتحا على مشاريع الرئيس تبون، فهي تقترح بنودا للدستور المقبل، وتتبنى رؤية حول الحريات العامة، وأفكار واضحة تتعلق بطبيعة النشاط السياسي، فضلا عن رؤى تتعلق بالاقتصاد الوطني ولا سيما ما تعلق بالوضع الصحي الخاص الذي يعصف بالبلاد.
ويلتقي بيان جبهة القوى الاشتراكية في بعض بنوده مع بعض توجهات حزب العمال، والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، لا سيما ما تعلق بالمجلس التأسيسي، الذي سقط من أجندة السلطة لصالح مسعى الانتخابات الرئاسية، في وقت كان الحراك الشعبي في أوجه، وهو ما يؤشر على وجود جسور تلاقي بين هذه الأحزاب، التي تطلق على نفسها “التيار الديمقراطي”.
وبين هذا وذاك، تبقى شريحة واسعة من الأحزاب التي كانت في الضفة الأخرى من المشهد السياسي، تتقدمها كل من حركة مجتمع السلم وحركة النهضة وبعض الأحزاب الصغيرة، تبحث عن موقع في المرحلة المقبلة، أما حزبي السلطة سابقا، كل من حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، فيبدو أنهما لا يزال خلف المشهد متأثران بالدور الذي لعباه طيلة العقدين الأخيرين.