-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

العجب عن “رجب” في رجب

عمار يزلي
  • 1344
  • 0
العجب عن “رجب” في رجب

ما كان ينقصنا أكثر في العمل السياسي، هو ثلاثة أساسيات: روح المبادرة، والجرأة الإيجابية، والأمانة الأخلاقية. هذا الثالوث الذي حاول ويحاول رئيس الجمهورية جاهدا كل مرة تفكيك عقده ومن نفثوا فيها طيلة عقود من العمل السياسي المركزي الموجه، جاعلين من الممارسات البيروقراطية “ثقافة أصيلة” متأصلة حتى في روح القوانين، التي تحدّث عنها “مونتيسكيو”.

صحيح أن القوانين جافة، وإنما فصِّلت على هذا النحو إلا لكي تكون غير قابلة للتأويل والقراءة المبطنة، غير أن روح القانون المنبثقة من روح المشرِّع، عليها أن تكون “روحا” موجبة في نهاية المطاف، لا جسدا ترابيا ماديا بلا روح، وهذا هو كل الإشكال، إن في القوانين وإن في النسق الذي ينظم القوانين، فعلى مقاس النظام والنسق القانوني تُنسج القوانين الملائمة لهذا النسق أو ذلك. ولأننا وُلدنا وترعرعنا في نسق فرضت عليه وعلينا أحيانا ظروف موضوعية يعرفها الجميع، فقد وجدنا أنفسنا نلبس لبوسا من حياكة نسقنا السياسي القومي الوطني ضمن أطر الحزب الواحد والرؤية الواحدة والعمل والفعل الواحد.

من النماذج التي وقفنا عليها مؤخرا، هي مسألة إبقاء فنان “جزائري” روحا وقلبا وقالبا، مجاهد في إطار الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني منذ كان عمره 14 سنة، بدون جنسية إلى غاية وفاته قبل 11 يوما، وهو الراحل “الهادي رجب”. الهادي رجب الذي لا أحد من جيل الستينيات والسبعينيات والثمانينيات لا يعرفه، والكلّ يُشهد له بفنه وأغانيه الوطنية والعروبية الممجدة للثورة والنضال الثقافي والفني: “أنا عربي وأنت عربي”، “علمنا الغالي”، “قلبي يا بلادي لا ينساكِ”، “لا تسلْني لا تسلْني كيف حققنا المُنى”، كيف شيدنا كيف علينا البناء.. إن شعبي شعب مليون شهيد”.

هذا الفنان المجاهد، الذي أحب الجزائر وحملها في قلبه منذ نعومة أظافره، حتى ولو كان يحمل الجنسية التونسية، لم يجد أحدا ينصفه ويكرمه بمنحه الجنسية المكتسَبة بلا وثيقة، ويُكرَّم ويُمنح وسام الاستحقاق.. إلى أن كان يوم 10 رجب 1444 هـ، الموافق لـ2 فبراير 2023، بعد أيام من رحيله، إذ تكرم رئيس الجمهورية شخصيا بمنح الراحل الجنسية الجزائرية بمرسوم رئاسي، متجاوزا بذلك عقبات وعراقيل البيروقراطية والقوانين الجامدة التي لا روح فيها. كان على الهادي “رجب” أن ينتظر 82 سنة، ليرى بعد رحيله العجب في 10 رجب.

هذا المثال، ما هو إلا نموذج من النماذج التي غزلتها وحاكتها ثقافة النسق المنغلق، الخالي من روح المبادرة والجرأة الإيجابية والأمانة الأخلاقية، تماما مثل تلك القوانين التي وُضعت لمحاربة الفساد فإذا بها تصبح هي عقبة فاسدة، كتلك التي فك عقدتها رئيس الجمهورية شخصيا وبطريقة فردية ومبادرة شخصية تمثلت في إنقاذ مئات المؤسسات الصغيرة والكبيرة والمتوسطة من شبح الصدأ رغم أنها كانت على أهبة الاستعداد للدخول في غمرة الإنتاج، ولا ينقصها إلا رخصة الاستغلال. هذه الرخصة الورقية التي تمثل عائقا قانونيا في وجه أي متعامل ومستثمر، إذ بدونها لا يمكن لأيِّ مستثمر أن يبدأ في الاستغلال والإنتاج والتصدير. وثيقة، مقابل حل مشكل قائم لعشرات ومئات المؤسسات في عز حاجة الجزائر لإقلاع اقتصادي وفي عز أزمة عالمية، ما كان للإجراءات البيروقراطية ولو كانت على حق، بسبب تحفظات من هنا وهناك على مشروع جاهر. هنا كان حق تدخل روح المبادرة محليا حتى بدون انتظار رئيس الجمهورية أن يفك العقدة: القانون يغيَّر روحيا بطريقة إيجابية وبروح موجبة، وتغيير العيب ليس عيبا ولا يلام عليه في الجزائر الجديدة، بل العكس هو الصحيح.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!