الرأي

العرب والسياسة

عندما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية مقاطعتها للألعاب الأولمبية التي احتضنها الاتحاد السوفياتي في صائفة 1980، بحجة احتلالها أو تدخلها في الشأن الأفغاني، وطالبت دول العالم الغربي بالخصوص، بتأييدها، لم تستجب بريطانيا، وشاركت بأفضل رياضييها، واعتبرت نفسها غير معنية بالخلط بين السياسية والرياضة، وساهمت في إنجاح الدورة “الشيوعية” بالرغم من أن بلدانا عربية مثل المملكة العربية السعودية ومصر وتونس استجابت في ذلك الوقت للدعوة الأمريكية، وعندما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1991 عاصفة الصحراء على أرض الكويت والعراق، بحجة تحرير الإمارة التي طالها الاحتلال من قوات صدام حسين، وطالبت دول العالم الغربي بالخصوص بالدخول في جيشها أفواجا، لم تستجب إيطاليا وإسبانيا، واعتبرتا اللجوء إلى القوة هو تسرّعا لا يعنيهما، بالرغم من أن دولا عربية ساهمت في العاصفة، مثل مصر والمغرب والبحرين، ولم نسمع أبدا بأن الولايات المتحدة وهي سيدة العالم، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، عادت، أو حتى انتقدت خيار هذه الدول الكبرى، ولا غيرها من الدول الصغيرة، التي كان لها رأي سيّد في قضية، هي بالتأكيد مؤقتة، في حياة الأمم.

لكن ما يحدث في العالم العربي يثير الغرابة فعلا، فبغض النظر عن ديكتاتورية بشار الأسد، وأخطاء حزب الله، وانحراف الحوثيين في اليمن، فإن من حق الجزائر أن تبدي رأيها السيّد في أي موضوع، أو تحتفظ به لنفسها، وهي لم تخرج عن الإجماع العالمي، عندما لم تؤيد وضع حزب الله في خانة الإرهاب، لأن كل البلاد الأوروبية، ولبنان صاحب الشأن الأول والأخير، لا يعتبرون هذا الحزب المسلّح إرهابيا، بل ولا يوجد في العالم من يعتبر إسرائيل “دولة” إرهابية، وهي التي لم تتوقف عن التقتيل والتشريد على مدار قرابة السبعين سنة.

ربما كان الملك خالد بن عبد العزيز على حق، عندما انتقد قطع بعض الدول العربية لعلاقاتها الدبلوماسية مع مصر، بعد إبرامها معاهدة كامب ديفيد، ورفض الانضمام لجبهة الصمود والتصدي، حيث اعتبر معاهدة السلام والتطبيع شأنا مصريا خالصا، وأهل مصر بالتأكيد أدرى بشِعابها، فكان الموقف العربي على مدار سنوات برغم اختلافه، فيه بعض المبادئ بين شرقي أو غربي أو سيادي، كما فعلت الجزائر مثلا في قضية مقاطعة الألعاب الأولمبية، حيث لم تستجب لدعوة الولايات المتحدة الأمريكية لمقاطعة ألعاب موسكو عام 1980، ولم تستجب أيضا لدعوة الاتحاد السوفياتي لمقاطعة ألعاب لوس أنجلس عام 1984، وكان إلى جانبها عدد من البلاد العربية السيّدة في قرارها، مثل الكويت التي شاركت في موسكو وهم يتهمونها بأنها مقاطعة سياسية أمريكية، ومنها سوريا التي شاركت في لوس أنجلس، وكان رئيسها الراحل حافظ الأسد يشرب قهوته في موسكو ويأخذ قيلولته في “لينين غراد”، كما كان يقول معارضوه، ولم يحدث وأن تلقوا لوما من هذا المعسكر الشرقي “الديكتوتوري” أو الغربي “الإمبريالي”.

فالسياسة اختلاف ليس بين الدول فقط، وإنما أيضا داخل نفس الدولة، وسيكون من العبث السياسي أن تطلب دولة من البقية، أن تقبل بقراراتها أو برأيها الخاص، الذي تولّد بفعل ظروف معينة، وسيكون من الجنون أن تسيّر حياتها السياسية والاقتصادية نظير صراحة دولة لم يُعجبها، ونفاق أخرى أعجبها؟

مقالات ذات صلة