-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
ثاموغلي

العلاقة التاريخية بين الزواوة وتلمسان (الحلقة الأولى)

العلاقة التاريخية بين الزواوة وتلمسان  (الحلقة الأولى)

هناك علاقة تاريخية بارزة بين مدينتي بجاية، حاضرة بلاد الزواوة، ومدينة تلمسان التي ازدهرت فيها الحضارة الإسلامية عبر العصور، خاصة أيام الزيانيين الذين جعلوها عاصمة لملكهم. ورغم اشتداد الصراع السياسي بين حكام المنطقتين، فإن الثقافة قد ظلت رابطة متينة، وثقت العلاقات بينهما لقرون عديدة.

  • نبذة عن تاريخ بجاية 
  • بنى السلطان الحمادي الناصر بن علناس مدينة بجاية (الناصرية)، بعد انتقاله من قلعة بني حماد بالمسيلة، إلى بلاد  الزواوة (القبائل)، وكان ذلك في القرن الحادي عشر الميلادي. وحوّلها إلى منارة علمية، قصدها العلماء من كل حدب وصوب، خاصة من الأندلس، وشمال إفريقيا، وأوروبا. نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر العلامة عبد الرحمن بن خلدون، والصوفي محيي الدين بن عربي، والعارف بالله سيدي بومدين شعيب، وابن تومرت، وعبد المؤمن بن علي (مؤسسا الدولة الموحدية)، والشاعر بن حمديس الصقلي، والكثير من الرحالة، كالإدريسي وابن بطوطة، والعالم الرياضي الايطالي ليوناردو فيبوناتشيLeonardo Fibonacci، والفيلسوف الاسباني ريمو لول Rymond Lulle. كما اشتهرت بقصورها الرائعة كقصر اللؤلؤة، وقصر الكوكب، وقصر أميمون، وبمدارسها العديدة، أشهرها مدرسة جامع قصبة المدينة التي أنشأها الموحدون، درّس بها العلامة ابن خلدون. هذا وقد تغنى الشاعر الحسن بن الفكون القسنطيني (ق 13 م)، بجمال مدينة بجاية قائلا:
  • – دع العـراق وبغداد وشـــــــــامهما            فالناصرية مــــــا إن مثلــــــها بلد
  • – بـر وبحر وموج للعيــــــــــون بـه            ســــارح بــــــان عنها الهم والنكد
  • – حيث الهوى والهواء الطلق مجتمع           حيث الغنى والمنى والعيشة الرغد
  • – يا طالبا وصفها إن كنت ذا نصف           قــل جنة الخلد فيــها الأهل الولـد
  •    واحتفظت مدينة بجاية برونقها ومكانتها العلمية في العهدين الموحدي والحفصي. ولعب فيها النازحون من مسلمي الأندلس دورا كبيرا في إنعاشها وترقيتها، إلى أن وقعت في قبضة القوات الاسبانية سنة 1510م، وكان ذلك بمثابة نكبة ألمت بالمدينة أدت إلى خروج الكثير من سكانها، واستقرارهم في الجبال، فتوقف دورها الريادي في المغرب الإسلامي، وصارت مدينة من الدرجة الثانية كغيرها من المدن العادية.
  • تلمسان العريقة
  • أما مدينة تلمسان فهي عريقة أيضا، استقطب موقعها الجغرافي وأراضيها الخصبة، العنصر البشري منذ زمن بعيد، والدليل على ذلك أن معنى كلمة  تلمسان الأمازيغية(تـَلمَسْثْ، وجمعها تِلمِسَانْ)، تعني الأرض المعشاب ذات المياه الوافرة، والأشجار الباسقة. هذا ولم يستبعد الكاتب محمد طمار في كتابه الموسوم ” تلمسان عبر العصور”، أن تكون التسمية الرومانية “پوماريا” ترجمة للاسم الأمازيغي القديم. ويعود الفضل في تأسيس حاضرة تلمسان -حسب رواية ابن خلدون- إلى قبيلة بني يفرن الأمازيغية، واشتهرت آنذاك باسم أڤادير. اشتد الصراع بين الأمويين بالأندلس والفاطميين من أجل السيطرة عليها. هذا وقد ارتفع شأن هذه المدينة في عهد المرابطين، وعرفت آنذاك باسم ثاڤرارث. ثم ازدادت أهمتها في عهد الموحدين الذين وسّعوا عمرانها ليشمل ثاڤراراث، وأڤادير، فأنشأوا فيها القصور والفنادق ودارا لصك النقود. وصارت بفضل مرسى هُنين، هي المدينة الأولى من حيث الأهمية الاقتصادية في المغرب الأوسط. وتحولت مدينة تلمسان إلى عاصمة سياسية للدولة الزيانية التي أسسها يغمراسن سنة 1235م.
  • العلاقة الثقافية بين بجاية وتلمسان
  • لا شك أن العلاقات بين المدينتين أكبر من أن تحصر في الجانب الثقافي فقط، ولكن نظرا لتشعبها ، فإنني ارتأيت اختيار العلاقة الثقافية كنموذج بين المدينتين اللتين كتب لهما أن تصيرا عاصمتين للدولة الحمادية (بجاية)، والدولة الزيانية (تلمسان). والجدير بالذكر أنهما احتفظتا بمكانتهما العلمية المرموقة، حتى بعد انتهاء دورهما السياسي.
  • لقاء عبد المؤمن بن علي مع ابن تومرت في بجاية.
  • ولد عبد المؤمن بن علي (1094 – 1162م) بقرية تاجرا المنتمية إلى قبيلة كومية بناحية ندرومة، ولاية تلمسان. وبعد أن أكمل دراسته بمسجد تلمسان، شد الرحال إلى مدينة بجاية، وقد اختلف المؤرخون حول الغاية من هذا السفر، فمنهم من ذكر أن عبد المؤمن بن علي كان ينوي السفر إلى المشرق العربي عبر ميناء بجاية، لطلب العلم. ومنهم من ذكر أنه تنقل إلى بجاية، لإقناع ابن تومرت الذي كان يقيم بقرية ملالة، بالقدوم إلى تلمسان للتدريس بمسجدها بعد وفاة العلامة عبد السلام التونسي. وعقدت جلسة مطولة بين الرجلين، اكتشف الأستاذ خلالها حدة ذكاء التلميذ وقوة شخصيته، لذا قال فيه قولته المشهورة: “لا يقوم الأمر الذي فيه حياة الدين إلا بعبد المؤمن بن علي سراج الموحدين”، ومن مظاهر تبجيله أيضا أنه فضله على نفسه في ركوب دابته أثناء سيره إلى تلمسان، معللا ذلك بقول: “اركبوه الحمار يركبكم يوما ما الخيل المسومة”.  
  • ومهما كان الأمر فإن التقاء الرجلين:عبد المؤمن بن علي الكومي، وابن تومرت السوسي بمدينة بجاية، يعد حدثا تاريخيا هاما، أسفر عن اتفاقهما على محاربة الدولة المرابطية المتهمة بالبدعة، وعلى تأسيس كيان سياسي جديد على أنقاضها، يوحّد المغرب الإسلامي، ومن ثَم شرع الرجلان في الدعوة إلى التوحيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ببلاد المغرب الإسلامي.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!