الرأي

“العلبة السّوداء” في مكاتب المسؤولين!!

رشيد ولد بوسيافة
  • 2292
  • 2

مرة أخرى يسقط ضحايا في حادث خطير وقع هذه المرة في خطوط السّكة الحديدية، ومرة أخرى يسارع المسئولون إلى فتح تحقيق عاجل في الأسباب التي أدت إلى وقوعه، بل ويعلقون ذلك بما يوجد في العلبة السوداء، وكأن الأسباب وراء هذه الحوادث المتكررة التي تقع بالسكك الحديدية أو الخطوط الجوية مجهولة وغير مرتبطة بتسيير الشأن العام في الجزائر.

نعمسيتم فحص العلبة السوداء وسيتم التحقيق مع كل العمال والمسؤولين المناوبين ساعة وقوع الحادث، وقد يتم تحديد المسؤول على الخطأ الذي تسبب في الحادث، بعدها يخرج علينا المسؤولون بتقديم كبش الفداء وغالبا ما يكون من بين صغار الموظفين وينتهي الموضوع وكأن شيئا لم يكن.

لكن من يفحص مئات العلب السوداء الموجودة في مكاتب المسؤولين؟ وكيف السّبيل إلى معالجة الخلل الكبير في مفهوم المسؤولية عندما يتعلّق الأمر بكبار المسؤولين الذين لم يحدث أن استقال واحد منهم على خلفية حادث كبير كالذي رأيناه أمس، ولماذا يتم دائما التضحية بأولئك المغلوب على أمرهم من الموظفين الصغار الذي يقدمون دائما على مذبحالمسؤوليةنيابة عن أصحاب السلطة والقرار.

متى يتوقف التعامل مع الحوادث والكوارث بمنطق كبش الفداء؟ ومتى يتم التطبيق الفعلي لمفهوم المسؤولية التي تعني دفع الثمن في حالة التقصير، وإلى متى يتم لملمة الفضائح وتمييع المسؤوليات ومحاولة إعطاء انطباع بأن الأمور على أحسن ما يرام، وأن الأمر يتعلق فقط بخلل على مستوى معين.

نفس المشهد يتكرر مع كل حادث كبير، يسارع المسؤولون إلى مكان الحادثيطلقون التصريحات، يزورون المصابين في المستشفيات، يشكلون خلايا أزمة ولجان تحقيق مهمتها التخفيف الآني من وقع الكارثة بعدها تعود الوديان إلى مجاريها وتعود سياسة اللامبالاة والتسيير العشوائي.

الأزمة عميقة جدا، وهي لا تتعلق بخطأ واحد، ولكنها منظومة أخطاء مترابطة، ومنهجية عمل مبنية على اتخاذ أبسط احتياطات السلامة في وسائل النقل بكل أنواعها، وإلا بماذا نفسر هذه الحوادث الخطيرة التي تقتل في عام واحد عددا مهولا من الجزائريين يفوق عدد الأشخاص الذين قتلهم الإيبولا في العالم بأسره.

 

لقد كشف الحادث الأليم الذي وقع أمس في قلب العاصمة النقاب عن معضلات أخرى لا تتعلق بالمسؤولين فقط، بل تتعلق بعامة الناس الذين غابت عندهم روح المواطنة بشكل خطير، حيث أغلق أصحاب السيارات كل المنافذ المؤدية إلى المستشفيات وبقيت كذلك رغم النداءات الموجهة عبر القنوات الإذاعية، فكان المشهد مأساويا بكل المقاييس.

مقالات ذات صلة