الشروق العربي
صيحة الشروق

الغرب مليح؟ الغرب قبيح؟.. الترك أحسن

عمار يزلي
  • 2406
  • 7

التحولات العالمية والإقليمية منذ بداية الألفية الثانية، تتسارع بشكل لم يسبق له نظير في التاريخ. العالم كله، الذي صار قرية صغيرة كما يقول ماكلوهان، يتسع بشكل مضطرد وتتطور فيه العلاقات الدولية بشكل لم يسبق له نظير، حتى أنا بتنا اليوم على شفا حفرة من انفجار حرب كونية، إن لم تكن قد بدأت فعلا، تحت مسميات كثيرة. فالحروب العالمية، عادة ما تبدأ من حادثة صغيرة، محلية، فاعلوها على تناقضات كبرى والمتفاعلون معها على مصالح عظمى. الحرب تؤججها العصبيات أولا، حتى ولو كنا ظاهرا نبدو قد انتهينا من العصبيات “القبلية”: عصابات قومية، شوفينية، عرقية، ثقافية، تحركها دوافع اقتصادية مصلحية أنانية، تماما مثل ما تفجر حادثة صغيرة تحدث كل يوم في الزمان وليس في الزمان والمكان وضمن الفاعلين المحددين. حدث هذا مع كل الحروب الكلاسيكية تقريبا في التاريخ القديم والحديث، من حرب طروادة إلى الحرب العالمية الثانية التي بدأت باغتيال ولي عهد دولة في دولة مجاروة.. وكما كانت حرب البسوس وداحس والغبراء بسبب منافسة سباق.
الحروب “القبيلة” اليوم، صارت أعظم وأطغى حتى من الحربين العالميتين الأخيرتين، باعتبار أن العالم بقدر ما اتسع، صار في شكل قبيلة، يعرف الناس كل ما يحدث وما يقال وما يحاك فيها بفعل انتشار تكنولوجيات الاتصال الآني لكل فرد على حدة بشبكات ووصلات أفراد ومؤسسات العالم بالأسره: الأنترنت التي قلصت الفجوة الجغرافية وقربت الحدود إن لم تكن قد أزالتها افتراضيا.
الغرب اليوم، بزعامة أمريكا وربيبتها إسرائيل في الشرق الأوسط، وذراعها التي تبطش بها، صارت المهيمن، أو على الأقل، تعتقد أنها كذلك بفعل اقتصادها الضخم وترسانتها الحربية الفائقة القوة. هكذا يبدأ وهم القوة، ويبدأ حلم الأمبراطوريات، منذ حضارة الاغريق والفرس والروم وقبلها الحضارة المصرية الفرعونية وحضارات ما بين النهرين. كلها كانت ترى نفسها أنها الأقوى وأنها يمكنها أن تخضع العالم. وأخضع العالم لها.. عالم آنئذ. إلى أن أسقطت الحضارة الاسلامية وهْم القوة بعد أن دب فيها الوهن الاقتصادي، ثم العسكري قبل أن تسقط فارس وبيزنطة في ظرف قياسي في مجابهة حفنة من “أعراب شبه الجزيرة”. فالوهن والقوة ليسا قدرين لا مقدور عليهما، وقضاء وقدرا لا قدرة لأي قادر عليهما..
تركيا عشرينات الالفية الثانية اليوم، تشابه في الاتجاه العكسي تركيا في العشرينيات من القرن الماضي. قرن مضى على الأتاتوركية، التي قررت تولية الظهر للحضارة الاسلامية أملا في الدخول إلى حضارة الغرب.. الأوروبي. قرن من محاولة الدخول، بكل وسائل التدخل، لكن بعد تولية الظهر للتاريخ: حذف الخط العربي واستبعاد الدين او القبول بالعلماينة. العلمانية الصليبية التي عملت على تجريد تركيا من هويتها ومن رباطها الهوياتي، لتجعل من الاترك شعبا بلا أصل ولا فصل.. لا هو في العير ولا هو في النفير، لا هو غراب ولا هو حمامة. كان ذلك هو الهدف: دفن المارد العثماني. لكن المارد، سيتمرد، وما يلبث أن يخرج من القمقم ومن تحت الرماد كالعنقاء.. شعب لا يزال يتمسك بهويته الدينية أو الوطنية الشوفينية.. “القبلية”: التركية. الأصل التركي، العثماني، فاتح أوروبا. وها هي تركيا اليوم تخوض حربا ضروسا ضد محاولة التفتيت. حرب مع الجيران في الغرب الأوربي.. الذين يرفضون دخولها لقبيلة العلمانية المسيحية، وحرب مع العم سام، كاوبوي العالم.
لقد بدأ عصر التكتلات الجديدة بحثا عن قوة موازية للغرب الأوروبي والأمريكي. أوربا مهما كانت ستبقى مع أمريكا، فيما ستتكل تركيا وإيران والروس والجمهوريات الاسلامية المجاورة، وباقي الدول الاسلامية من باكستان إلى جاكرتا، إلى الصين، لتشكل قوة اقتصادية وأمنية موازية للغرب الأوروبي والأمريكي، إن لم يكن هذا في الأجل، ففي العاجل. هذه القوى، الجديدة، سيكون أمامها خيارات السلم والحرب: خيار المنافسة الاقصادية، ولكن ايضا خيار الحرب الطاحنة التي قد تغير من موازين القوى والجغرافيا السياسية رأسا على عقب..

مقالات ذات صلة