الرأي

الـعِيدُ الـمُعْتَدُّ

سيتساءل كثير من القراء عن هذه الصِّفة التي وُصف بها العيد.

والمُعْتَدُّ هو مذكّر المُعْتَدَّة الذي هو مصطلح خاص بالمرأة التي طُلِّقت أو تَرَمَّلت، حيث يجب عليها شرعا أن تهجر الزينة تعطرا ولباسا فترة من الزمن، فإذا انقضت تلك المدة أبيح لها أن تأخذ زينتها وتتعطر في الأماكن التي يجوز لها شرعاً أن تُبْدِيَ فيها زينتها..

ويصف بعض العرب أمورا معنوية أو أشياء مادية بـ”المعتدة” إن كانت خالية من أي جمال كقولهم هذا الطعام “مُعْتَدٌّ” إذا كان خاليا من التوابل التي تضفي عليه منظرا جميلا، وتعطيه مذاقا لذيذا، فيقبل عليه الآكلون.

وقد تأملت في هذا العيد -وفيما قبله من أعياد في الفترة الأخيرة- فوجدت أن أصدق ما يوصف به هو أنه “عيد مُعْتَدٌّ” أي أنه لا لون بهيج له، ولا رائحة طيبة تنبعث منه، بل إنه أقرب إلى الحزن منه إلى الفرح، وإلى التعاسة منه إلى السعادة، وإلى الاهتمام والاغتمام منه إلى الانبساط والانشراح، سواء في ذلك على مستوى كل بلد إسلامي أو على مستوى الأمة كلها..

كنت أرجو أن أفرح وأن أُسَرَّ، وكنت أود أن يفرح قومي وأبناء ملتي وأمتي بهذا العيد، فنطرح فيه الهموم، ونقبل على الابتهاج ونبدي الحبور، ونشارك أطفالنا لَهْوَهُم البَرِيءَ، ولو يوما وبعض يوم، ونتواصل مع أرحامنا وأحِبَّائنا، وننسى، أو نتناسى، ما يكدِّرُ حياتنا في كل ميدان.

ولكن، أعتذر لقومي ولأبناء أمتي إن لم يجدوا على وجهي بشاشة، وعلى شفتيَّ ابتسامة، وفي عيني إشعاعا، ولم يحسوا في صدري انشراحا، ولم يسمعوا مني قولا جميلا.. وأنَّى لي ذلك وقومي وأبناء أمتي يعيشون فتنة، بل فِتَناً كقطع الليل المظلم تجعل أكثرهم حلماً أشدهم حيرة...

فهم محكومون من أُناسٍ إمَّا من عهد “أسود-أبيض” أَوْهَنَ الزمان عظامهم، وأرعش أطرافهم، وأخْرَفَ عقولهم، وأثقل ألْسِنَتَهُم وأسماعهم؛ وإما من أناسٍ هم أقرب إلى التصابي منهم إلى الرشد، نهارهم للرشوة والسيطرة، وليلهم للنشوة والشهوة.. وهم أقرب إلى السَّفَهِ منهم إلى الحكمة، وأشبه بالجزارين منهم بالطيبين، فقومي وأبناء أمتي أذِلة بحكامهم، ضالون بأكثر علمائهم، أشقياء بأغلب أغنيائهم، مرضى بكثير من أطبائهم، مغشوشون من قِبَل تجارهم، مفتونون بإعلامهم، خائفون من “أمنهم” قبل عدوهم،… فأنَّى يكون لنا عيد؟ وأنَّى تنزل السعادة بساحتنا؟

إنه ليس لنا من العيد إلا هذه الكباش التي تنطح، وهؤلاء الفتية التي تمرح، وإغلاق المؤسسات والمدارس، وعند بعضنا جدة الملابس..

رحم الله موتى المسلمين، وشفى مرضاهم، وأخرجهم مما هم فيه من هموم وغموم.. وأنزل نقمته وعقابه على كل من كان سببا فيما نحن فيه.. وعذرا للأخ سليم قلالة إن لم يجد عندي “مساحة أمل”.  

مقالات ذات صلة