الفاشلون.. و..
ذكرت الجرائد أن “الشيخ” عبد القادر ابن صالح (لأنه رئيس مجلس الشيوخ) وصف المواطنين الجزائريين الذين انسحبوا من الانتخابات الرئاسية، والذين دعوا إلى مقاطعة هذه الانتخابات الشكلية؛ وصفهم بالفاشلين، قاصدًا بذلك “فشلهم المؤكد” في مواجهة الأخ “عبد القادر الآخر” و أنهم من الأخسرين… (الخبر 23 فبراير).
إنّ الحقيقة التي لم يقلها الأخ ابن صالح ـ و لن يقولها ـ هي أن “الفاشلين” متأكدون من “نجاح” الأخ بوتفليقة، بالأسلوب نفسه الذي نُجِّحَ به في العُهدات الثلاث الماضية، و مَن أنكر ذلك التزوير فوالله العظيم إنه إنسانٌ…
و لئن أطال الله أعمارنا جميعا لنسمعَنّ ـ بعد ما تستيقظ الضمائرُ و تُكشَفُ السرائرُ ـ من الغرائبِ، ما يُنطقُ الرّضع في المُهود، و الموتى في اللحُود.
إن الحقيقة التي كُنت أود و أرجو الأخ ابن صالح ـ و هو في هذه السن ـ أن يعترف بها، و أن يشهد عليها بشجاعة أدبية هي أننا نحن الجزائريين جميعا ـ و بدرجات متفاوتة ـ فشلنا في بناء و إقامة دولة تقوم على مؤسسات حقيقية.. سواء كان هذا الفشل عن جهل، أو عن غش، أو عن تزوير، أو.. أو..
إن آية هذا الفشل هو أن أكثر المواطنين يفتحون أعينهم صُبحًا و يغمضونها عشيًا و هم يفكرون في الحصول على “شكارة” حليب، رغم ما يوجد في خزينة حكومتنا “الرشيدة” من مليارات.. و إن أكبر دليل ـ أيضا ـ على هذا الفشل هو أننا بعد خمسين سنة من “الاحتقلال” لم نستطع، أو لم نعرف، وضع آلية سياسية للتداول على السلطة.. حتى صرنا نضع أيدينا على قلوبنا ـ خوفا على الجزائرـ في نهاية مرحلة كل “رئيس”، فابن خدة أزيح بشبه انقلاب قاده ابن بلة، الذي أزيح بانقلاب قاده بومدين الذي ما أزاحه عن الكرسي إلاّ مَلَك الموت، و إن “القوة” هي التي فرضت الشاذلي الذي ذهب بشبه انقلاب، ليؤتى ببوضياف و يذهب كما نعرف، ثم يؤتى بزروال الذي لم يُكمل عُهدته الأولى و ذهب مُغاضبا… ليؤتي ببوتفليقة من مشتاهُ في الخليج، ليسابق نفسه بعد أن أبى الفرسان (كما وصفهم بلسانه) أن يكونوا “ديكورا” كما أريد منهم…
و أستسمح الأخ ابن صالح إن ضربتُ له مثالا آخرَ على فشلنا و هو أن من يأتي سائحًا لوطننا، و اضطر إلى قضاء حاجته الطبيعية لن يجد في شوارعنا مكانا لقضاء تلك الحاجة الطبيعية، و لذا سنشترط في المستقبل على من يأتي إلينا سائحًا أن يأتي معه بـ….
إن الآية الكبرى لفشلنا ـ خاصة حكوماتنا “الرشيدة” ـ هي عجزها عن القضاء على أكبر سوق لتهريب العملة، التي تقع في ساحة بور سعيد، و هي أقرب إلى “عرش” الأخ ابن صالح في مجلس الأمة من حبل الوريد.
و أما الآية الأكبر من أخواتها فهي فشلنا ـ خاصة حكوماتنا “الرشيدة” ـ في تسيير مجتمعنا الذي يُعتبر ـ حسَب مصطلحات علم الاجتماع ـ مجتمعا بسيطا، حيث يخلو من تعدد الأعراق (فنحن أمازيغ عربنا الإسلام، و عربٌ مزّغتنَا الجغرافيا و العادات)، و يخلو من تعدد الأديان (فكلنا مسلمون، و إن غلبت على بعضنا الشهوات و اتخذهم الشيطان أولياء)، و يخلو من تعدد المذاهب (فأكثرنا مالكيون، و بعضنا إباضيون هم أقربُ المسلمين إلى الإسلام الصحيح، و ما شهدنا إلا بما علمنا و رأينا). فمن فشل في تسيير مجتمع بهذه البساطة فهو أفشل الفاشلين.
إن من أمارات “قيام ساعة الجزائر” هو أن يُربط استقرارها و مستقبل شعبها ببقاء شخص أو ذهابه، و لو كان هذا الشخص هو الأخ بوتفليقة، “الذي لم يُخلق مثله في البلاد” كما يقول بعضنا، و الذي قال فيه ـ كما ذكر الأخ الصديق الحبيب بن عودة ـ “سيدي محمدالهبري” ـ عندما حُمل إليه الأخ بوتفليقة عند ولادته ـ: “إن هذا المولود سيكون سياسيا كبيرا و مسؤولا ذا شأن؟؟؟!!!”. (دور الزوايا إبان المقاومة و الثورة التحريرية. ج1. ص 159). و رحم الله الإمام الإبراهيمي القائل: “من عاش في الجزائر رجبا، رأى عجائب لا عجبا” (الآثار ج3 ص 111). و رحم الله الإمام الإبراهيمي مرة أخرى القائل: “إن البناء الذي يقوم على شخص واحد متداعٍ إلى السقوط”. (الآثار: 2 ، ص 358).
إننا نتمنى على إخواننا (خاصة حزب العُهدات اللانهائية للأخ بوتفليقة) أن يقولوا كلاما معقولا حتى لا يُحرجوا الأخ بوتفليقة نفسه، أو ليصمتوا، فإن الصمت من ذَهَبْ، و ما ألذّ وقْع كلمة الذهب في آذانهم، و ما أبهى بريقه في أعينهم. و لنعلم جميعا أن الخطر الأخطر على الجزائر و أبنائها الصالحين و الطالحين و “الذين خلطوا عملا صالحا و آخر سيئا” آتٍ من المفسدين و الغشاشين و المزورين و السارقين و الفاسقين و.. و..
رحم الله العالِم محمد بن عبد الكريم الجزائري الزموري (ت2012) القائل في ديوانه “كشف الستار”:
لقد مات فينا القـــلب و الوعي و الحِجَى
و ضَــلَتْ رِجَالِ العِــلمِ في لَيلِ “جهلنا”
لَإِنْ صَحَ مسْــــخُ الجِنسِ قبل زمـَــــاننا
“فَأَمْسَـــخُ خَلْـقِ الله نحن بعَصْـــــرِنــــا”