الرأي

الفترة العثمانية في الميزان

محند أرزقي فراد
  • 7753
  • 32

برز على سطح الأحداث تزامنا مع زيارة الرئيس التركي للجزائر طيب أردوغان، نقاشٌ حول طبيعة الفترة العثمانية في تاريخ الجزائر، هل هي استعمار أم حكم وطنيّ؟

قبل الإجابة على هذا السؤال المنطقيّ، ألفت انتباه القارئ إلى أن الموقف الرسمي للدولة الجزائرية من هذه الفترة، هو موقف إيجابيّ يتمثل في اعتبار هذه الفترة مرحلة مشرقة ومزدهرة في تاريخ الجزائر، رغم السلبيات التي تميّز بها الحكم العثماني في الجزائر.

وانسجم موقف الجامعة الجزائرية مع هذا الموقف الرسمي بصفة عامة، فرغم تعرض الفترة العثمانية لنقد المؤرخين بسبب استئثار العنصر العثماني بمقاليد السلطة دون الجزائريين، وبسبب إنزال أبنائهم المولودين من أمّهات جزائرية إلى مرتبة أدنى(الكراغلة) لا تؤهلهم للحكم، وبسبب فرض ضرائب فادحة على الجزائريين وإهمالهم للتعليم، رغم ذلك كله لم يجرؤ المؤرخون الجزائريون على اعتبار العثمانيين استعمارا على غرار الاستعمار الروماني والبيزنطي والفرنسي.

فشيخ المؤرخين أبو القاسم سعد الله وجّه نقدا لاذعا للتواجد العثماني في الجزائر، لكنه لم يجرؤ على اعتبارهم استعمارا، بل اكتفى بتصنيفهم في موضع يمكن أن نسمّيه بـ “المنزلة بين المنزلتين” إن صحّ هذا التعبير فلا هم – برأيه- حكم وطني ولا هم من استعمار، أما الدكتور جمال ڤنان فهو يعتبر الفترة العثمانية حكما جزائريا خالصا شكّل عصرا ذهبيا، من خلال السيطرة على الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط، ومن المثقفين الذين نظروا بعين الإكبار إلى التواجد العثماني في الجزائر، الأستاذ مولود قاسم نايت بلقاسم.

فبماذا نفسّر يا ترى موقف الدولة الجزائرية الايجابيّ من التواجد العثماني في الجزائر؟ لا شك أن ذلك يفسّر بالمعطيات التاريخية التالية:

أ-  دخل العثمانيون إلى الجزائر بطلب من أهلها، من أجل صدّ الاحتلال الاسباني الذي تعرضت له مدنها الساحلية(مرسى الكبير1505م/ مدينة وهران1509م/ بجابة1510م) في مطلع القرن 16م.

ب- وجد العثمانيون فراغا سياسيا كبيرا تمثل في انقسام الجزائر إلى إمارات محلية ضعيفة، ففي الوسط كانت هناك إمارة آل القاضي في جرجرة، وإمارة سالم التومي في مدينة الجزائر وما جاورها، أما في غرب الجزائر فكانت سلطة الدولة الزيانية محصورة في تلمسان وما جاورها، في حين كانت هناك إمارة بني جلاب في توڤرت، وفي الشرق كانت حدود الدولة الحفصية تمتد إلى مدينة بجاية وقسنطينة وبسكرة، وهكذا فإن الفضل يعود إلى العثمانيين، في تأسيس دولة مركزية قوية في العصر الحديث باسم “الدولة الجزائرية” فرضت هيبتها على الأوروبيين عن طريق سيطرتها على الحوض الغربي للبحر المتوسط، في إطار الغزو البحري الذي يعدّ امتدادا للحروب الصليبية، وليس قرصنة كما يدعي الغرب.

ج- يعتبر الوجود العثماني في الجزائر امتدادا للدولة الإسلامية – بعد أن ورثوا الخلافة عن الدولة العباسية- التي كانت تتشكل من أجناس وأقوام وأعراق كثيرة، ومن ثم لا يمكن اعتبار الدولة العثمانية دولة قومية تركية، علما أن الدولة العثمانية بريئة من “سياسة التتريك” التي رفعت لواءها جمعية “تركيا الفتاة” ذات الفكر القومي الطوراني في مطلع القرن العشرين.

د- رغم العلاقات المتوتّرة بين الحكام العثمانيين والجزائريين، فقد رسم لهم المخيال الجزائري صورة إيجابية، مكنونة في الشعر الشعبي، تعبّر عن تقدير الجزائريين لهم، فجعلوا الفارس التركي العثماني “نموذجا للشجاعة”، ومعيارا للرجولة. والجدير بالذكر أن الداي حسين كان قد وجّه رسالة إلى منطقة الزواوة يستنهض أهلها لدعمه في مواجهة الغزو الفرنسي، ولما كان الأمر متعلقا بالدفاع عن أرض الإسلام، فقد استجاب له ساكنتها، فجنّدت الزوايا(المعمرات) حوالي 25 ألف مجاهد متطوّع شاركوا في معركة اسطوالي، في جوان 1830م.  

مهما يكن من أمر، فإن القراءة الأقرب إلى المنطق، هو أن نعتبر الحكم  العثماني حكما مستبدا أضر بمصالح الجزائريين، لكنه ليس استعمارا، كما أن البراغماتية السياسية تقتضي استثمار الموروث التاريخي بين البلدين فيما يخدم مصالح الشعوب، على غرار ما يحدث في أوروبا التي تجاوزت دولها الصراعات الدامية، التي عصفت بها لقرون عديدة.

مقالات ذات صلة