الرأي

الفتنة من بغداد ودمشق.. إلى الهڤار والطاسيلي!

محمد سليم قلالة
  • 3324
  • 20

ما يحدث اليوم في العراق وسوريا ومصر بالتحديد يبين إلى درجة كبيرة مدى سهولة اختراق العالم الإسلامي في قلبه الحضاري، ويبين كيف أنه لم يستطع أن يتحرك بعد أن تم كسر جناحه شرقا في أفغانستان ويجري الآن الإعداد لكسر جناحه غربا بوسائل شتى في الجزائر وما حولها. هل ننتبه للمخطط ونوقف تنفيذه أم سنُضاف إلى قائمة ضحاياه بعد حين…؟

لست أدري لِمَ تم وبهذه السهولة كسر ركائز تقليدية ثلاث للحضارة الإسلامية: بغداد ودمشق والقاهرة. بل وكسر الركائز التقليدية لأكثر الحضارات عراقة في العالم: البابلية والسومرية في العراق والسامية والآرامية والفينيقية في الشام والفرعونية في مصر؟. كيف وصلت ما تسمى حضارة القرن الحادي والعشرين إلى جعل حضارات وادي الرافدين والشام ووادي النيل تتحول في بضع سنوات إلى ما يشبه الخراب والدمار؟ وكيف أصبحت تزهو بأن يتحول كل هذا التاريخ الإنساني العريق في يد جماعات نكرة خلقت من العدم تسمى  داعش” أو “النصرة” أو “الحر” أو غيرها من التسميات؟ كيف بحضارة اليوم التي كانت تفخر ببغداد ودمشق والقاهرة لا ترتاح إلا بعد أن تتحول هذه العواصم إلى خراب ودمار؟ هل سيكون مصيرها كما كان مصير حضارتنا العربية التي شّيدناها في الأندلس وأصبحت أثرا بعد حين؟.. وهل سيتم التحول بعد أن تم زرع الفتنة مشرقا، إلى نشرها مغربا وتخريب ما بقي من آثار نوميديا التاريخية وحضارة الهقار والطاسيلي كما حدث لبابل ونينوى ودمشق ويافا وعكا في فلسطين؟

يبدو أن المخطط يسير بهذا الاتجاه ولسنا بمنأى عنه. وكما تحولت الجماعات الإرهابية في سورية إلى “داعش” وغيرها لتحطيم دمشق وبغداد، ستتحول الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل إلى “داعش” أخرى تحطم ما بقي من حضارة الطاسيلي والهڤار صعودا إلى تخريب ثقافة وادي ميزاب وتاريخ سيرتا وحضارة بجاية وتلمسان مرورا على كل ما يرمز في بلدنا إلى التاريخ والثقافة والحضارة.

ويبدو أنه سيتحقق، لأننا في غفلة من أمرنا نظن كما ظن المشارقة ذات يوم واعتقدوا أن لن تنتزع منهم أي قطعة لتلحق بالغرب ويصبح مصيرها مثل مصير الأندلس، فإذا بفلسطين تُسرق وتُغتصب قطعةً قطعة بل وتصبح العصا الغليظة التي يضرب بها الغرب الشرق في أية لحظة ويحطم بها من يشاء ومتى شاء.

ويبدو أنه سيتحقق ونحن نصغر باستمرار أمام كبر دولنا وعمق حضاراتنا وتاريخنا ونتحول إلى بيادق في أيدي من كانوا ذات يوم يخشون هبَّتنا ونهضتنا واستعادة قوانا؟ بل ونصغر إلى درجة أن أصبح همنا انتصارا في مقابلة لكرة القدم بكاس العالم أو تزوير انتخابات لنبقى على رأس سلطة وإن كانت متهالكة فانية لم يعد يخشاها أحد…

ما الذي حدث لنا؟ ونحن نكاد نكرر تجربة الصراع بين البروتستنت والكاثوليك التي حدثت في بداية القرن السابع عشر وذهب ضحيتها مئات الآلاف من المسيحيين، نكررها في بلاد المسلمين حيث يتم من جديد إشعال نار الفتنة بين الشيعة والسنة والعرب والفرس مشرقا، وبين المالكية والإباضية والعرب والأمازيغ مغربا…

ما الذي يحدث وعلماؤنا ودعاتنا يرجعون بنا القهقرى إلى الوراء، وبدل دعوتهم لإطفاء نار الفتنة بل واستباقها بالبصيرة والرأي، يزيدونها اشتعالا، فيعلنها فريق حربا مقدسة على الآخر ويصفها الثاني بالثورة العارمة ضد الطرف الأول. وبدل أن يلمّوا شمل المسلمين ويعيدوا تعميق شعار رفعه عامة الناس ذات يوم في ملعب لكرة القدم: سنة شيعة هذا الوطن ما نبيعه .. يدفعونهم للاقتتال ليسقط الآلاف من هؤلاء وهؤلاء وفلسطين محتلة وثرواتنا منهوبة ومقدساتنا مدنسة وشعوبنا مقهورة؟

لحد اليوم، كان يبدو المخطط محدودا تجاه العالم الإسلامي، وكانت تبدو هذه الدولة بمنأى عنه مقارنة بدولة أخرى، أو أنها قد فوتت فرصة الوقوع في الشراك المنصوب لها، فإذا بتتالي الأحداث، وتأجج الصراع حول الدول المركزية في العالم العربي وتعميق الفرقة بين البلدان الإسلامية وداخل البلد الواحد على أساس طائفي ومذهبي أحيانا وقبلي أخرى وعشائري تؤكد جميعها أنه يتم العمل بإحكام لدفع بلداننا جميعا إلى نفس الوضع حتى لا يتشكل قطب جديد في العالم مركزه الحضارات الضاربة بعمق في التاريخ من وادي الرافدين إلى الطاسيلي والهڤار …

وهنا ينبغي أن نقف مليا كجزائريين أمام ما يبدو لنا مشكلا بسيطا في غرداية. وهنا علينا أن نطرح السؤال بعد الآخر، لِماذا تُشجع بعض الفضائيات الصراع الطائفي في بلادنا وتُغذّيه وتعمل على ألا ينطفئ؟ ولِمَ تقوم جهات أجنبية أخرى بإعداد وتدريب جماعات إرهابية جنوب بلادنا وعلى حدودنا الشرقية وتُغذيها بالمال والسلاح؟ ولِمَ تتدخل قوى أجنبية في مالي؟ وتدخلت ومازالت تتدخل في ليبيا؟ وتغذي الصراعات الطائفية في مصر بعد أن حققت هدفها في السودان وتمكنت من تقسيم أكبر بلد عربي على أساس ديني؟

أليست كلها مؤشرات واقعية لا لُبس فيها ينبغي أن تدفعنا للتفكير بعمق أكبر في مستقبل بلدنا، بل ينبغي أن تدفعنا للقيام بإعداد السيناريوهات المضادة لما يمكن أن يحدث عندنا. قبل فوات الأوان..؟

أليست كل هذه مؤشرات واقعية يُفترض أن تدفعنا حتما إلى الخروج من مرحلة التفكير في الخلافات الجزئية بيننا إلى رص الجهد الفكري والإعلامي والمادي والمالي بالأساس للرفع من وتيرة التكيف مع أسوأ السيناريوهات التي يمكن أن تقع فيها بلادنا وكافة المنطقة وقد بات واضحا اليوم أن بلادا غير محصنة وغير معدة لمواجهة اللعبة الدولية يمكنها أن تُقحم فيها لأتفه الأسباب؟

هل وَضعنا قائمة بهذه الأسباب؟ وعرفنا موقعها في سلم الأولويات؟ أم أننا سنبقى نُسلي أنفسنا بمشاهدة مباريات تصفيات كأس العالم لكرة القدم رغم أننا نخسرها في كل مرة؟

وهل نفعت مباريات كأس العالم الجماهير السورية أو العراقية أو المصرية في شيء رغم أنها من أكثر الشعوب ولعا بهذه اللعبة؟

أظن بأن هناك عدة مؤشرات تقول أن هناك أمرا يدبر لبلدنا ومنطقتنا خلال العقد القادم علينا أن نتجنبه من الآن ونخرج منه سالمين من خلال إعمال العقل والرفع من شأن القدرة على استشراف المستقبل ورسم الحقل الموفولوجي لكافة التوفيقات الممكنة بين فرضيات التطور لكل متغير من المتغيرات المشكلة للمشهد المركب اليوم وفي المستقبل المباشر ثم المتوسط فالبعيد. وقبل ذلك وضع حد لمهزلة حُكمنا من خلال وزراء هم والبلادة سواء، ومسؤولين هم والنظرة إلى المستقبل أعداء..

لقد تبين باستمرار أن مشكلتنا هي مع المستقبل، وعجزنا هو مع المستقبل، والأداة التي يتم الإطاحة من خلالها بنا، هي الماضي وما حمل من خلافات كانت في حينها مقبولة ونتاج مرحلتها.

أما وأننا اليوم نعيد تجديدها وإحياءها ـ تحت أية ذريعة كانت ـ فإننا نقوم بتمكين الآخر من بسط مزيد من السيطرة علينا ومنعنا من أن نكون دولة ذات شوكة ومهابة…

 

لقد باتت واضحة معالم المخطط إلا لمن أراد ألا يرى واستمر بسياسته غير الواقعية وغير العلمية يوفر الإمكانيات ويهيئ الظروف لينتقل ما حدث مشرقا ، مغربا كما حدث ذات يوم وانتقل ما حدث مغربا وبالتحديد في الجزائر مشرقا وكان القوم منه ساخرين فكهين بدل أن يكونوا مفكرين واعين… أليست لدينا عقول نفكر بها وبصيرة نرى بها؟

مقالات ذات صلة